يقول نزار قباني: “عندما أشرب القهوة معك أشعر ان شجرة البن الأولى زرعت من اجلنا”، اما الشاعر محمود درويش فيقول: “القهوة أخت الوقت”، بينما الكاتب الأميركي مارك توين يقول “الحب كالقهوة، إذا اكثرت منه منعك من النوم”. هكذا يتغزل محبو الكافيين في اليوم العالمي للقهوة ، والذي يصادف الأول من تشرين الأول، وذلك تقديرا لهذا النبيذ الكلاسيكي والأكثر شيوعا في العالم.
القهوة مشروب يعد من بذور البن المحمصة، وينمو في أكثر من 70 بلدا، خصوصا في المناطق الاستوائية، مثل اميركا الشمالية والجنوبية وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية وافريقيا. ويقال ان البن الأخضر يحتوي على منافع جمّة، وهو ثاني أكثر السلع تداولا في العالم بعد النفط الخام، فتناوله على معدة فارغة او قبل الإفطار بساعة يعمل على زيادة نسبة هرمون الكورتيزول في الجسم، الامر الذي يساعد على تخفيف الوزن. كما ان مادة الكافيين وحمض الكلورجيك الموجودان في القهوة الخضراء يعملان على تقليل الشهية، وخفض مستويات السكر في الدم، وتحسين عملية الهضم والتمثيل الغذائي، مما يتسبب بزيادة معدل حرق الدهون، الى جانب غناها بمضادات الاكسدة.
ووفقا للأرقام والاحصائيات، يتم استهلاك أكثر من 2.6 مليار كوب من البن يوميا، ما يرفع هذا المشروب الى المركز الثالث في قائمة المشروبات الأكثر احتساءً في العالم، بعد الماء والشاي.
الأول من تشرين الأول هو يوم الاحتفاء بالقهوة، وللإقرار بالأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتاريخ الطويل لإنتاجها وتناولها، ولرفع مستوى الوعي حول أهميتها وبعض المحاذير من اضرارها، في حال تم استهلاك كميات كبيرة منها. وكانت منظمة القهوة الدولية (ICO) أسست اليوم العالمي للقهوة، وشهد عام 2015 اول احتفال في 1 تشرين الأول قبل 8 سنوات، بغية الاعتراف بصناعتها وتسويقها عالميا.
قصص عن “المعشوقة السمراء”
تقول بعض الروايات ان حبوب القهوة استُنْبطت في “تِهَامة” وانتشرت في الحجاز، ثم انتقلت الى العالم شرقا وغربا. ويعود اكتشافها الى القرن الخامس، حيث قطفها أحد الرعاة في “تهامة” واتخذها قوتا ثم شرابا، ثم أصبحت تجارة رائجة في الحجاز، وانتقلت كلمة قهوة الى كافة لغات العالم. ففي إنكلترا تنطق (CHAOUA) ، وفي إيطاليا (CAFFE) ، وفي تركيا (KAHVE)، وفي اليابان (KOHI). ووصفها الاعشى قائلا:
وقهوة مزّةً راووقها خضلُ نازعتُهمْ قضْبَ الرّيحانِ متكئاً
الفنجان في اللغة العربية
لغويا، يرد اسم القهوة في اللغة العربية أصلا للخمر، من القَهوة، وتتفق أمهات المعجمات العربية، على ان الخمر سميت بالقهوة لأنها تقهي محتسيها عن الطعام، وتذهب القابلية. فيما يجد آخرون ان القصد من الذهاب بالنهم، بمعنى الاشباع أي انها تقهي بمعنى تشبع.
الأصل.. عربيان!
في بعض الاستخدامات العربية القديمة، كان يقال القهوة “الشبعة المحكمة”، وبه سميت الخمر قهوة، كذلك كانت تُطلق هذه التسمية على اللبن المحض لأنه يدار كما تدار القهوة، ونقل الزبيدي سردا ثانيا لاسم القهوة، التي يبدو ان لها فوائد علاجية كما قال: “بنٌ، ثمر شجر باليمن… يخلف حبا كالبندق وإذا تقشر انقسم نصفين وقد جُرّب لتخفيف الرطوبات والسعال، والبلغم والنزلات وادرار البول”، وقد شاع الآن اسمه بالقهوة إذا حمّص وطبخ ناضجا.
وتتصل كلمة القهوة بالفنجان، حيث ان عبارة “فنجان قهوة” هي الأكثر ترددا على الالسنة. وبعض المصادر اللغوية توضح ان الأصل لكلمة فنجان “عربي بحتْ”، وهو قائم في كلمة “فلجان” التي حورت الى “فنجان”.
فالفلج يعني مكيال، لمقادير مختلفة بحسب الاستعمال. وقد ذكر الزبيدي بيتا شعريا يبين معنى كلمة الفَلج، قال الجعدي يصف الخمر: “القى فيها فلجان من مسك دارين… وفلج من فلفل ضرم”. ثم يستند الى المسميات التي وردت في البيت فيقول: “قلت، ومن هنا يؤخذ قولهم للظرف المعد لشرب القهوة، وغيرها، فِلجان والعامة تقول فنجان، وفنجال، ولا يصحان”.
القهوة واليقظة
يظن الجميع أن الكافيين الموجود في فنجان القهوة الصباحي هو المسؤول الأساسي عن شعورنا باليقظة والقدرة على العمل وتحسين الأداء العام، الا ان دراسة حديثة نفت هذا الادعاء وأكدت ان “العادات” المرتبطة بتناول كوب القهوة هي المسؤولة عن التنبّه، وليست جرعة الكافيين التي يتضمنها الكوب.
ورسخ البحث أن “قهوة الصباح” التي يستمتع بها مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم قد تكون دواءً وهمياً، حيث أجرى الباحثون صوراً بالرنين المغناطيسي على الأشخاص الذين يشربون القهوة لاختبار نشاط الدماغ الوظيفي.
التأهّب.. السلوك الموجّه نحو الهدف!
وفي هذا الخصوص، طلب فريق البحث ومقره البرتغال من الأشخاص الامتناع عن تناول القهوة أو الكافيين قبل التصوير بالرنين المغناطيسي، وأعطيت مجموعة واحدة من المشاركين الكافيين في شكل كيميائي بسيط، بينما أعطيت المجموعة الأخرى فنجان قهوة يحتوي على الكافيين، على غرار ما قد يتناولونه يومياً، ثم طلب من المشاركين الاسترخاء والسماح لأذهانهم بحرية التفكير أثناء خضوعهم لفحص التصوير بالرنين المغناطيسي. ووجدت عمليات المسح أن النشاط في الشبكة الافتراضية للدماغ، المتّصلة بالتأمل الذاتي والتفكير الذاتي، بدلاً من الاستجابة للمنبهات الخارجية، تراجع في كلتي المجموعتين من المشاركين، وهذا يشير إلى أن تناول الكافيين أو فنجان من القهوة، “جعل الناس أكثر استعداداً للانتقال من الراحة إلى العمل في المهام”.
ومع ذلك، أظهر التصوير بالرنين المغناطيسي تمييزاً ملحوظاً بين المجموعتين، حيث شهد الأشخاص الذين احتسوا فنجاناً من القهوة زيادة في الاتصال العصبي في “الشبكة المرئية العليا” و”شبكة التحكم التنفيذية المناسبة”، وهذه هي أجزاء الدماغ المرتبطة بالذاكرة العاملة والتحكم المعرفي والسلوك الموجّه نحو الهدف.
عادة!
وفي إطار متصل، تبيّن أن المجموعة التي شربت الكافيين بمفرده في شكل دواء، دون تجربة شرب فنجان القهوة المعتاد، لم تشهد هذا الارتفاع في النشاط العصبي، لذلك أكدت الدراسة أن طقوس شرب القهوة هي المسؤولة عن الشعور باليقظة، وليس مجرد الكافيين الذي تحتوي عليه القهوة.
وتشير النتائج أيضاً إلى أنه في حين أن المشروبات المحتوية على الكافيين تشترك في بعض تأثيرات القهوة، إلا أنه لا تزال هناك بعض الفوائد الخاصة من شرب القهوة نفسها. وقد تشمل هذه العوامل الرائحة الخاصة وطعم المشروب أو التوقعات النفسية المرتبطة بتناول فنجان القهوة الصباحي وفقا لموقع Freepik .