لارا الهاشم -
منذ إعلان مجلس الوزراء خطّته الأخيرة لمواجهة أزمة النزوح المتفاقمة، فُهم أنها ستبقى حبراً على ورق. لم تُضف هذه الخطة شيئاً على ما سبقها باستثناء طريقة الدعوة الطارئة التي أوحت وكأنها ستحمل اجراءات صارمة واستثنائية لتنظيم النزوح قبل أن تنتهي بعناوين فضفاضة.
وزّعت الحكومة المسؤوليات على الوزارات والمؤسسات التابعة لها من دون تمكينها بسلاح المواجهة ومن بينها البلديات التي ترك كلُّ منها لإمكاناته اللوجيستية والمادية شبه المعدومة. فوزارة الداخلية كلّفت البلديات بإجراء تعدادٍ للنازحين كلٌّ ضمن نطاقه وبازالة التعديات على البنى التحتية من شبكات صرف صحي ومياه وكهرباء إضافة إلى التشدّد بتطبيق قانون السير. لكن إذا جلت في قرى الأطراف ترى أن هذه المهمّة شبه مستحيلة.
في قرى عكار الحدوديّة المهمّشة أصلاً يفتقر معظمها إلى شبكات صرف صحّي حيث تسيل قربك مياه الصرف الناتجة عن المخيّمات العشوائية. ففي المخيمات صممت الجُور الصحية بشكل غير مدروس ولاستيعاب نسبة معيّنة من المخيّمات، قبل أن تتحوّل الأخيرة إلى شبه مجمّعات سكنيّة تفوق قدرة الجور الصحيّة. أمام هذا الواقع وغياب مشاريع دعم البلديات لإنشاء شبكات للصرف الصحي ومحطّات تكرير باتت السلطات المحليّة عاجزة عن إصلاح الخلل. وما يزيد الطين بلّة اليوم هو عجز موازنات معظم البلديات التي لا تزال تتقاضى رسوماً زهيدة لا تتلاءم وغلاء المعيشة.
لكنّ العجز المالي لا ينحصر في هذا الإطار بل تحوّل إلى عنصر أساسي يمنع الدولة من بسط سلطتها لقمع المخالفات. فكثيرة هي البلديات العكارية التي لم تدفع رواتب عناصر شرطتها منذ ثلاثة أشهر، وهناك أيضاً لا آليات بلدية صالحة للسير أما في حال وجدت فلا مازوت مؤمّناً لها. كلُّ ذلك بسبب النقص في الميزانيات الذي تشكو منه معظم البلديات المضيفة للنازحين من الشمال إلى البقاع. أمام هذا الواقع، يسأل رؤساء البلديات "كيف لنا أن نطلب من شرطي البلدية الذي يفتقر إلى أدنى مقوّمات العيش والعمل أن يدخل المخيّمات لإزالة التعدّيات ومن دون أي مؤازرة أمنيّة"؟
هشاشة التركيبة تصعّب على شرطة البلدية مهمّة التشدد في تطبيق قانون السير أيضاً. فبلدة الكواشرة العكارية الحدودية التي تستقبل نازحين يوازي عددهم أبناء البلدة تعاني الأمرّين من فوضى تجوّل الدراجات النارية التي تطلق أبواقها ليلاً، وهي لم تنجح بفرض النظام في البلدة على الرغم من إصدار البلدية تعميماً يقضي بحظر تجوّل الدراجات النارية المقلقة للراحة ليلاً. وفي هذا الإطار ناشدت البلدية وزارة الداخلية مؤازرتها في تطبيق القانون، لكن من دون جدوى.
في المقابل نجحت بعض البلديات جزئيا بقمع بعض المخالفات. إذ أقفلت بلدية الغبيري 21 مؤسسة مخالفة للقانون يديرها سوريّون في اليوم الأول لحملة تنظيم العمالة السورية. المنطقة التي تأوي حوالى الخمسين ألف سوري معظمهم نازحون، تقيم منذ ثلاثة أسابيع حواجز يومية لقمع مخالفات قانون السير وقد ألقت حتى اليوم الحجز على ما يفوق ال 400 آلية بين دراجة نارية وسيارة وفان وشاحنة لعدم حيازة سائقيها على دفاتر قيادة أو إجازة عمل أو إقامة قانونية. لكنّ ذلك لا يلغي معاناة البلدية التي يمتدّ نطاقها الجغرافي من طريق صيدا القديمة إلى البحر لجهة الأوزاعي. فالنزوح السوري فيها يضاف إلى عبء اللجوء في مخيمي صبرا وشاتيلا حيث لا قدرة لوجيستية أو إدارية لها على دخولها لقمع المخالفات في ضوء ضعف الإمكانات ومحدوديّة عدد عناصر الشرطة الميدانيّين الذي لا يتعدّى ال25 على الدوام الواحد بتأكيد رئيس البلدية معن الخليل ل tayyar.org.
أزمة القيادة غير النظاميّة تنسحب على كلّ المناطق اللبنانيّة، إذ تتحدّث مصادر في بلدية عمشيت عن أن غالبية سائقي الدراجات النارية التي تدخل البلدة غير نظاميين إذ إن كل المؤسسات التي تتعامل مع عمال التوصيلات تتغاضى عن التراخيص باستثناء مؤسسة واحدة عالمية، وعليه فانّ البلدية ستقيم حواجز تفتيش بدءاً من الأسبوع المقبل. أما بالنسبة لتنظيم العمالة السوريّة فقد اتخذت البلدية قراراً باقفال 14 مؤسسة تجارية يديرها سوريّون وأحالتهم على القضاء، فيما كان لافتاً أن 12 منهم مسجّلون كنازحين لدى مفوضية اللاجئين.
لكن هذ الاجراءات تبقى محدودة أمام حجم الأزمة، التي يفترض حلّها البدء بتعداد السوريين لإحصاء النازحين من بينهم وتحديد المقيمين بصورة غير شرعية ووضعهم ضمن فئات تحّدد أسباب وجودهم في لبنان وتسمح باتخاذ الإجراء المناسب بحق المخالف. لكن التعداد يبدو متعذّراً حتى الساعة إذ إن الظروف الأمنيّة مؤاتية لشرطة البلديات لدخول المخيّمات بحيث يناشد بعض البلديات الأمن العام للقيام بهذه المهمة، ولا الإمكانات المادية متوافرة لدى البلديات كبدلات التنقل إلى المخيمات وطباعة الاستمارات وتأمين موظفين لإتمام عملية الإحصاء في ظلّ النقص في عديد عناصر الشرطة في غالبية البلديات. مع الإشارة إلى أن بلدية عمشيت طلبت منذ فترة إستشارة من هيئة الإستشارات والتشريع مقترحةً استيفاء بدل خدمة من كلّ نازح لإجراء الإحصاءات، لكنّ الهيئة اعتبرت أن على الجهة الطالبة للإحصاء أن تلحظ عقد نفقة.
إذن أمام كلّ ما يعكسه واقع البلديات المهترئ على كلّ الأصعدة يبدو أن خطّة الحكومة أقلّه على صعيد قمع المخالفات في النطاق البلدي ستبقى حبراً على ورق، ما لم تقتنع الحكومة أن هذا النوع من الأزمات لا يمكن أن يدار كما أديرت الدولة على مدى أكثر من ثلاثين عاماً بل يحتاج إلى خطة طوارئ.