أقفلت مساعي التسوية الداخلية في لبنان أبوابها، إلى حين ليس واضحاً متى ينتهي، وعادت الأزمات إلى مربعها الأوّل، بعدما أوقف الموفدون الدوليون مساعيهم إثر الفشل الذي تلقوه، وبعد إعلان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي تجميد مبادرته الحوارية، ما جعل الجميع يقفون أمام حائط مسدود لا يجدون أيّ ثغرة للنفاد منه من أجل إيجاد حلّ للأزمات الداخلية المعقدة، وعلى رأسها إستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية، ما أعطى مؤشّرات مقلقة حول مستقبل الأوضاع في بلد يشهد يومياً تصدّعات وانهيارات على نحو متواصل.
وإذا كان فشل الموفدين الدوليين متوقعاً، وعلى رأسهم الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان، فإنّ إعلان برّي إيقاف محرّكاته، التي اعتاد أن يُشغّلها إبّان الأزمات، كان نذير شؤم في بلد إعتاد عندما تقفل أبواب الحوار بين القوى السياسية المتنازعة أن يدخل في نفقٍ مظلم، وأن لا يخرج منها سالماً إلّا بعد أن يُثخن بالجراح والندوب، ما جعل برّي يبدي خشيته من أنّ “هناك من لا يريد إنتخاب رئيس للجمهورية، بل وأكثر من ذلك، لا يريد للأزمة أن تنتهي”، ومعبّراً عن أسفه أنّ “هناك مَن يتعمّد قطع كلّ طرق الحلّ الداخلي”، محذّراً من أنّه “إذا بقينا على هذا المنوال، فلا أرى في الأفق أيّ إنفراجات”.
بري الذي اسف لان “الكنيسة القريبة لا تشفي”، قال بما يشبه نفض يده من اي مسعى لاي حوار او مسعى مستقبلا للخروج من الازمة بانه “لقد أديتُ قسطي للعُلى، وطرحت مبادرة الحوار ورفضوها، ولم يعد لديّ شيء، وليتفضّل من رفضوها ان يقدموا لنا بديلاً عنها، فهل يملكونه؟!”، ما دفع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي يتهمه بري بانه الى جانب رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ابرز الرافضين لفكرة الحوار، الى الرد على رئيس المجلس نافيا ان يكون ادى قسطه للعلى، ورافضا قوله ان هناك مَن يتعمّد قطع الطريق على أيّ حلٍّ، داعيا بري للقفز فوق الحوار، والدعوة إلى عقد جلسة بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس.
ومع أنّ البعض حاول التخفيف من تداعي جهود التسوية وتجميدها تباعاً، والقول إنّ ذلك يهدف إلى الإفساح في المجال أمام مساعي الموفد القطري إلى لبنان أبو فهد جاسم آل ثاني، وعدم التشويش عليها، فإنّ جميع المؤشّرات والتقارير تشير إلى أنّ مصير مسعى الموفد القطري لن يكون أفضل حالاً من مصير مبادرة لودريان ودعوة برّي، وأنّ البلد، نتيجة الإنقسام الداخلي وغياب التوافق الخارجي، تحوّل إلى “مقبرة” تدفن فيها تباعاً كلّ المساعي التي تبذل لإنقاذه، من غير أن تلوح في الأفق القريب أيّ بارقة أمل بخروجه من النفق في وقت قريب.ت