تتباكى قيادات الموارنة على مواقع الطائفة في السلطة اللبنانية، من رئاسة الجمهورية التي يُكمل الشغور فيها الشهر المقبل عامه الأول، الى حاكمية مصرف لبنان التي يتولاها نائب الحاكم، الى قيادة الجيش التي تنتهي ولاية قائدها مطلع العام الجديد، فيما هي لا تحرك ساكنا من أجل إتمام هذا الاستحقاق الذي يُعتبر المفتاح الرئيسي لكل أنواع الاستقرار والتوازن في البلاد، وتكتفي بتوجيه الانتقادات والاتهامات، وبإطلاق الشعارات والتصريحات النارية والمواقف التحريضية التي تعزز الفرز الطائفي والسياسي وتعطل مساعي الحل المحلية والاقليمية والدولية.
لا شك في أن تعاطي القيادات المارونية مع الاستحقاق الرئاسي تدفع الى طرح سؤال جوهري وهو: هل يريد الموارنة رئيسا للجمهورية؟.
الجواب حتى الآن لا يبشر بالخير، خصوصا في ظل الأجندات التي يلتزم كل تيار سياسي بتنفيذها، والطموحات التي تسيطر على سلوك البعض ممن لم يقتنعوا بأن طريق قصر بعبدا مقفلة أمامهم، ما يجعلهم يراهنون على تبدل في المناخات الاقليمية والدولية علّ ذلك يمنحهم فرصة للدخول الى السباق الرئاسي.
منذ حلول فخامة الفراغ في قصر بعبدا، لم تقدم الكتل النيابية المسيحية ذات الأغلبية المارونية منفردة أو مجتمعة مرشحا جديا لرئاسة الجمهورية، من القوات التي ناورت بالنائب ميشال معوض لاختبار قدرتها على تجيير الأصوات، الى التيار الوطني الحر الذي قطع رئيسه جبران باسيل الطريق على كل أركانه وما يزال يقدم مواصفات رئاسية مفصلة على قياسه، الى حزب الكتائب وسائر النواب الذين تدغدغ مشاعرهم إمكانية طرح أسمائهم للرئاسة وإتاحة الفرصة لهم.
وعندما أرادت الكتل المسيحية أن تتقاطع على مرشح، جاء تقاطعها هجينا بهدف قطع الطريق على مرشح الفريق الآخر وليس إنتخاب مرشحها رئيسا للجمهورية.
واللافت، أن هذه الكتل نفسها إنقلبت على رأس الكنيسة المارونية البطريرك بشارة الراعي عندما دعا النواب المسيحيين الى حوار، ما إضطره الى إستبداله بصلاة لحفظ ماء وجهه ولتغطية عدم “مونته” على أبنائه الموارنة في التيارات المسيحية.
ومنذ ذلك الحين، يرفع البطريرك الراعي الصوت مهاجما الجماعة السياسية ومحملا إياها مسؤولية إستمرار الفراغ الرئاسي، من دون أن يمارس الدور المنوط به في الضغط على النواب التابعين لكنيسته في التخلي عن خلافاتهم ومناكفاتهم والتوافق على رئيس، كما أوقعه ذلك، في سلسلة تناقضات ناتجة من سعيه الى إرضاء التيارات السياسية المسيحية المختلفة فيما بينها على كل شيء، ودفعه الى التراجع عن بعض المواقف، لا سيما ترحيبه بالحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري ودعوته كل النواب الى المشاركة فيه، حيث حرص على إرضاء القيادات المسيحية بتوضيح موقفه لاحقا، قبل أن يتراجع كليا من سيدني أستراليا ويرفع السقف، مؤكدا أن “الكنيسة لن تسكت عن الفراغ الرئاسي، ولن تدع لبنان فريسة للظلم والاستكبار، ناسفا بذلك كل الايجابيات التي سبق وتحدث عنها الأمر الذي أثار إستغراب الكثير من المتابعين.
ولا يختلف الأمر بالنسبة للكتل النيابية المسيحية، فالتيار الوطني الحر بات أسير المواقف المتناقضة لرئيسه جبران باسيل الذي يريد الرئاسة لنفسه على قاعدة “أنا أو لا أحد”، ونتيجة لذلك، يطالب بالحوار ويقف ضده، ثم يقترح أن يكون من دون رئيس ومرؤوس، وهو يتقاطع مع المعارضة وعينه على تحالفه مع حزب الله، حتى بات في كل مواقفه يضع “إجر في البور وإجر في الفلاحة”.
أما القوات اللبنانية، فترفض كل ما من شأنه أن يؤدي الى إنتخاب رئيس للجمهورية، وهي بدأت من خلال بعض المواقف بضرب صيغة العيش المشترك، من دون تقديم أية مبادرة أو حل يمكن أن يساهم في تقريب وجهات النظر.
ولا يختلف حزب الكتائب في مواقفه التصعيدية، حيث دعا نائب رئيس الحزب سليم الصايغ الرئيس بري الى التعهد أمام المجتمع الدولي بالتخلي عن ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وذلك في تصرف يضرب كل شعارات “السيادة” التي يدأب الحزب ورئيسه سامي الجميل على إطلاقها.
كل ذلك، يؤكد أن الأزمة الرئاسية قبل أن تكون وطنية، هي مارونية ـ مارونية وبإمتياز، وذلك بفعل صراع نفوذ وإستجداء شعبية إضافية، ما يجعل المنافسة على أشدها بين القيادات المارونية على “السلبية السياسية”.