يرزح لبنان تحت وطأة النزوح السوري المستمر، رغم كل الاجراءات المتخذة من قبل الأجهزة والمؤسسات المعنية التي تبدو عاجزة عن وقف تدفق النازحين الذين بعضهم من تنطبق عليه صفة “النازح الاقتصادي” ومنهم من يتخذ من الشاطئ اللبناني محطة للإنطلاق الى دول أوروبا، ولعل الموقف التحذيري الذي أطلقه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة حول أن “لبنان لن يكون وحده بعين العاصفة” يشير بوضوح الى الخطر الذي يتهدد العالم في ظل تطلع النازحين السوريين الى الهجرة بإتجاه أوروبا عبر لبنان.
لا شك في أن النزوح السوري بات أكبر من قدرة لبنان على تحمل تداعياته، وذلك لسببين، الأول، النازحون الذين تتزايد أعدادهم يوميا ما يهدد البلد على أكثر من صعيد إقتصادي وإجتماعي فضلا عن التغييرات الديمغرافية، والثاني، المجتمع الدولي الداعم لهذا النزوح والذي يربط علاقته بلبنان ودعمه له بهذا الملف، ما يجعل البلاد بين سندان النزوح ومطرقة الدعم الدولي وشروطه التعجيزية.
في الوقت الذي يقوم فيه الرئيس ميقاتي بواجباته كاملة حيال ملف النزوح وفقا للامكانات المتاحة وربما أكثر، بدءا من تأليف اللجنة الوزارية الخاصة بالنزوح، الى إعداد الورقة الوطنية التي وضعت شروط ومعايير بقاء النازح أو ترحيله، وتوحيد رؤى التيارات السياسية حولها، وتشكيل الوفد الوزاري لزيارة سوريا، وصولا الى طرحه هذا الملف بكل شفافية من على منبر الأمم المتحدة، يأتي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ليُدخل هذا الملف الخطير دوليا ووطنيا في الزواريب السياسية ويُترجم من خلاله حقده على الرئيس ميقاتي، محمّلا إياه في كلمة ألقاها خلال جولة مع الرئيس ميشال عون في عكار، مسؤولية النزوح الأول والثاني وما نتج عنهما (على حد تعبيره).
كلام باسيل يضاعف من حجم التناقض الذي يسيطر عليه منذ فترة، خصوصا أنه منذ نحو سنة وهو يمعن في إستهداف الحكومة ورئيسها ويمنع وزراءه من حضور جلساتها وكان آخرها الجلسة المخصصة للبحث في تداعيات النزوح الثاني الذي تحدث عنه، حيث تم تأجيلها لعدم إكتمال النصاب، ورغم ذلك فإن حكومة ميقاتي تبذل جهودا مضنية في هذا الملف إلا أنها ليست صاحبة الكلمة الفصل فيه، نظرا للتداخل الدولي والاقليمي والمحلي، في حين أن الملف برمته يحتاج الى التوقف عن المناكفات السياسية والنكد والنكايات والزواريب والصراعات الحزبية والسياسية والاتجاه نحو خطاب وطني جامع وضع إطاره ميقاتي من خلال الورقة الموحدة في سبيل مواجهة مخاطره.
تقول مصادر سياسية مواكبة: “إذا كان باسيل حريصا على إيجاد الحلول لملف النزوح، فليذهب الى الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري وليضف الى بند البحث في رئاسة الجمهورية، بند مواجهة النزوح السوري للخروج بموقف وطني موحد بدل كيل الاتهامات للرئيس ميقاتي وإطلاق الشعارات الفارغة والاتهامات وممارسة العنتريات أمام شعب مقهور خسر كل ما يملك ودخل أندية الفقر من أوسع أبوابها، بسبب عهد كان باسيل رئيسه الفعلي على مدار ست سنوات”.
ما أدلى به باسيل في عكار وصفه البعض بـ”المعيب” كونه ينم عن حقد شخصي على ميقاتي ولا علاقة له بتحديد المسؤوليات في ملف من هذا النوع أكبر من لبنان ومن الدول المجاورة، وهو يمكن وضعه في إتجاهين، فإما “الرئيس البرتقالي” يعيش في كوكب آخر، أو أنه يتعاطى مع الملفات الوطنية الخطرة بارتجالية وإستخفاف الى درجة “التفاهة”، وهذا ينسحب على سائر الملفات الهامة التي يتخبط فيها، حيث يدعم الحوار ويقاطعه، ويحافظ على تفاهم مار مخايل ويطعنه بالتقاطع على مرشح المعارضة، فضلا عن كثير من الملفات التي يضمر فيها غير ما يعلن. كل ذلك، يشيرالى حالة إنعدام وزن يعيشها باسيل، بفعل أزمته النفسية الناتجة عن عدم قدرته على تحقيق طموحاته بالوصول الى كرسي الرئاسة، وشعوره بتراجع نفوذه السياسي والاداري والحزبي.