اتّخذت تداعيات الأزمة الرئاسية أبعاداً جديدة في ظلّ تطوّرَين بارزَين صادف أنّهما يتصلان بموقفَي الدولتَين الخليجيّتَين المنخرطتَين في الجهود العربية والدولية لحلّ الأزمة وإعادة لبنان إلى سكّة التعافي وهما المملكة العربية السعودية وقطر. وإذ كان لافتاً أن شكّل إحياء العيد الوطني السعودي مناسبة لإعادة بلورة وتثبيت الموقف السعودي المبدئي على لسان السفير وليد بخاري، وأساسه استعجال انهاء الفراغ الرئاسي، والتشديد على أنّ الحلول المستدامة لا تأتي إلّا من داخل لبنان وليس من خارجه بما يُثبَت سيادية هذا الاستحقاق، تسرّبت معطيات إضافية عن مهمّة الموفد القطري تُظهر السعي التمهيدي للمهمة الرسمية التي سيقوم بها لاحقاً وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية في سياق التوافق على مرشح ثالث من غير المحسوم من الآن كيف سيكون تعامل القوى اللبنانية المتنازعة معه. ذلك أنّ المعطيات التي سُرّبت أمس، من أوساط قريبة من الثنائي الشيعي، بدت لافتة لجهة الإيحاء أنّ طرفَي الثنائي لم يكونا إيجابيّيَن مع عناوين التحرّك القطري.
وأُفيد أنّ الموفد القطري، الذي التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن ثم رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، أبلغ إليهما السعي إلى توافق على مرشّح ثالث، ولكن كلّاً من بري ورعد أبلغاه تمسّك الثنائي بترشيح سليمان فرنجية، وهو الأمر الذي يُستشفّ منه أنّ الثنائي قد ينتظر وصول الموفد الرسمي القطري لاحقاً، وأنّه لن يُسلّم بسهولة “بنهاية” المبادرة الفرنسية لمصلحة ترخيم المبادرة القطرية. ويُثير المناخ الذي يحاط به التحرك القطري تساؤلات واسعة عمّا إذا كانت قطر ستنجح حيث أخفقت فرنسا، خصوصاً إذا صحّت التسريبات التي تحدّثت عن أنّ الموفد الحالي يطرح أسماء ثلاثة مرشحين في مقدّمهم قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى اسم نائب مستقلّ وشخصية أمنية.
في غضون ذلك، احتفلت السفارة السعودية في لبنان باليوم الوطني السعودي الـ93، تحت شعار “نحلم ونحقّق”، باحتفال حاشد شارك فيه عدد كبير من الرؤساء والسياسيين والديبلوماسيين والشخصيات الحزبية والأمنية والإعلامية، وكان لافتاً حضور رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع كما حضر رئيس “التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل”.
وأقيم الاحتفال في ساحة أمين حافظ بالقرب من المدرج الروماني وسط بيروت، حيث القى السفير السعودي وليد بخاري كلمة أكد فيها “أنّنا نتقاسم مسؤولية دولية مشتركة للحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته”، وشدّد على أنّ “الفراغ الرئاسي يبعث على القلق البالغ ويُهدّد تحقيق الإصلاحات المنشودة والملحّة”.
وأكد أنّ “الحلول المستدامة تأتي فقط من داخل لبنان وليس من خارجه والاستحقاق الرئاسي شأن لبناني داخلي”، مضيفاً: “نحن على ثقة أنّ اللبنانيين قادرون على تحمّل مسؤوليتهم وإنجاز الاستحقاق”. وأشار إلى أنّ “الموقف السعودي في طليعة المواقف الدولية التي تُشدّد على ضرورة الإسراع على انتخاب رئيس قادر على تحقيق ما يتطلّع إلى الشعب”، مؤكداً أنّه “سنواصل جهودنا المشتركة لحثّ قادة لبنان على انتخاب رئيس”. وتابع: “واثقون من إرادة الشعب اللبناني الشقيق ولبنان عوّدنا على مناعته اتجاه الأزمات وقدرته على النهوض منها، وسيبقى واحة للفكر وثقافة الحياة ويستعيد تألّقه ودوره الفاعل ضمن دول المنطقة، وأن ينعم شعبه بالرخاء والازدهار”.
إلى ذلك، صدر موقف أممي بارز عن المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتيسكا، في مناسبة مرور 75 عاماً على تأسيس بعثات الأمم المتحدة، إذ قالت” إنّنا نبذل جهوداً عبر القنوات الديبلوماسية ونشجّع حواراً على الاستراتيجية الدفاعية ومناقشة كل المجموعات التي تحمل السلاح. لا يمكن ان نغير الموقع التاريخي لأي دولة لان هذه قرون من الإنجاز البشري وميزة اللبنانيين انهم يحبون بلدهم ويتمسكون به وهو محرك لكل النشاطات ونلاحظ ذلك مع المغتربين الذين يدعمون لبنان ويحلمون به كنموذج”. وأكدت أنّ “الأمم المتحدة تبحث في أي فرصة للمساعدة كي تفهم كيف يمكن أن تخدم لبنان في هذه المرحلة من دون تدخل”، مشيرة إلى أنّ اللقاء مع النواب مهم لان دور النواب أساسي في انتخاب رئيس”.
وقالت: “في المرحلة المقبلة، نشجّع على أن يتّخذ اللبنانيون قراراً لأن ليس هناك أحزاب فقط بل توازنات طائفية معينة ولكن بعد سنة من الفراغ يستحق لبنان ان ينتخب رئيساً بسرعة لانه مطلوب منه عمل كثير”.
من جهة ثانية، أكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أنّ “النضال العسكري إبّان الحرب كان أسهل من النضال السياسي، رغم صعوبتها وسُوئها ومآسيها ولو أنني ضد المرحلة العسكرية إلّا إذا اقتضت الضرورة”. كلام جعجع جاء في ردّه على الأسئلة التي وجهها له المشاركون في المؤتمر الذي نظّمته الجامعة الشعبية ومنطقة المتن الشمالي، برعايته، في منطقة الربوة وتركز على ذكرى الرئيس الشهيد بشير الجميل ومسار المقاومة اللبنانية.
ووجّه جعجع في ختام المؤتمر رسالة إلى بشير، قائلاً: “أتصوّر انك فخور بنا، مثلما كانت القوات اللبنانية رأس حربة بين سنوات الـ75 والـ82 بوجه كل ما حدث، اجتهدنا وتعبنا واستشهدنا، سُجنّا اضطهدنا واستمرينا وها نحن اليوم الحزب الأكبر في لبنان، ولك الفخر لأنه حزبك، وبتنا رأس حربة فعلية في وجه المخاطر التي يتعرّض لها لبنان، صحيح “تعبت شيخ بشير بس لقيت”، صحيح انك استشهدت لكنك لم تمت، لا تزال حيّاً ومستمراً من خلال استمرارنا، وأعدك أن نصل الى الحلم الذي كنت تحلم به مهما كلف الأمر”.