أصابت عدوى الخلافات اللبنانية اللجنة الخماسية التي جاء إجتماعها في نيويورك على مستوى وزراء الخارجية أمس، ساخنا بفعل تحفظ أميركي على الطروحات الفرنسية التي قدمها الوزير جان إيف لودريان في زيارته الأخيرة الى لبنان ما أدى الى إنقسام في اللجنة منعها من إصدار بيان كانت بعض التيارات السياسية تنتظره لتبنيَ على الشيء مقتضاه.
الخلاف داخل اللجنة الخماسية يعكس التعقيدات التي تتحكم بالبعد الخارجي للملف اللبناني، ما يضع القوى اللبنانية أمام إمتحان السيادة الوطنية، في الركون الى الحوار الداخلي لكي يثبتوا للمعنيين دوليا وإقليميا أنهم بلغوا سن الرشد السياسي وأنهم قادرون على إتخاذ القرارات بمعزل عن التأثيرات الخارجية من دون التخلي عن المؤازرة الدولية التي يحتاجها لبنان لمساعدته على الخروج من أزمته.
هذا الواقع المأزوم، يجعل الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري بمثابة “خشبة خلاص” للجنة الخماسية ولبعض القوى اللبنانية التي تنتظر الاملاءات الخارجية التي يبدو أنها لن تأتي، في ظل الشغب الواضح الذي تمارسه أميركا على المبادرة الفرنسية وطروحاتها وعلى كل من يتعاون معها، حيث يبدو واضحا أن ثمة دور قطري يطل برأسه لتقريب وجهات النظر بين أميركا وفرنسا من جهة وبين أميركا والسعودية من جهة أخرى، وأيضا بين أميركا وإيران بما يتعلق بالملف اللبناني.
يبدو أن مشهد إحتضان السفير السعودي للمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان في دارته في اليرزة وتهيئة الأجواء لإجتماعه مع 21 نائبا سنيا لاقناعهم بجدوى الحوار لم يرق للأميركي الذي سارع الى ممارسة حق الفيتو، والركون الى الجهد القطري، حيث تشير المعلومات الى وجود موفد قطري في لبنان يعمل ويجري إتصالات ويعقد لقاءات بعيدا عن الاعلام.
في هذا الاطار تؤكد المعلومات أن إنضاج تسوية رئاسة الجمهورية يحتاج الى توافق أميركي ـ سعودي ـ إيراني ما يزال يحتاج الى وقت، والى تناغم أميركي ـ فرنسي ما يزال مفقودا، ويبدو أن الأميركي لا يريد تدخلا فرنسيا أو غير فرنسي في الحوار، بل يريده لبنانيا صرفا، وهذا ما عبرت عنه نائبة وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند خلال إجتماعها مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في نيويورك، حيث دعت القوى اللبنانية الى “إنتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن”، مؤكدة أن “أميركا تدعم أي حوار لبناني ـ لبناني بهذا الصدد”.
كلام نولاند كان بمثابة رسالة إيجابية بإتجاه تأييد الحوار الذي دعا إليه الرئيس بري كونه الحوار الوحيد الذي يحمل الصفة اللبنانية الصرفة، خصوصا بعد المعلومات التي أشارت الى محاولة لودريان مصادرة هذا الحوار، وتبديل إسمه الى تشاور وفرض وصاية فرنسية عليه.
لا شك في أن الخلافات التي فرضت نفسها على اللجنة الخماسية ستجعلها عاجزة عن إنتاج الحلول، فيما القوى اللبنانية على مواقفها تجاه الحوار بين التأييد والمعارضة والمقايضة والابتزاز وتبديل المواقف الذي جاء من خارج الحدود حيث تراجع البطريرك الماروني عن تأييد الحوار بالرغم من إعلانه ذلك في العظة التي تلت الدعوة إليه، حيث أكد من سيدني أستراليا أن “الحوار يكون في الانتخاب”.
أمام هذا الواقع، يبدو أن لبنان سيكون على لائحة الانتظار الى أن تتوافق اللجنة الخماسية على سلسلة ملفات إقليمية ودولية قد تنعكس توافقا على الملف اللبناني، فيما الفرصة متاحة اليوم أمام إجراء الحوار اللبناني، خصوصا أن القوى السياسية تستطيع أن تفرض رئيسا على اللجنة الخماسية، في حين أن اللجنة لا تستطيع فرض رئيس على اللبنانيين، لا بل هي قاصرة عن ذلك.