بدأ بعض دور النشر اللبنانية حملة اعلانات فايسبوكية عن مشاركتها في معرض الكتاب "الدولي" في الفورم دي بيروت، "الحدث الثقافي الأبرز" كما تقول، وتنظمة نقابة اتحاد الناشرين اللبنانيين من 13 إلى 22 تشرين الثاني المقبل.
وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها نقابة إتحاد الناشرين إلى إقامة معرض، فقد نظمت أكثر من دورة في السابق في مواسم الربيع وفشلت، وعادت لتنظم دورات معرضها بالاشتراك مع النادي الثقافي العربي على مدى سنوات، ليعودا إلى الافتراق في المدة الأخيرة لأسباب مبهمة ومعلنة، قيل إن جزءاً منها يعود إلى رفع صور قاسم سليماني في أحد أجنحة المعرض قبل أكثر من سنتين وما سببته من بلبلة واعتراضات وسياسات. وقيل أيضاً إنّ السبب الأساسي يعود إلى وزير الثقافة محمد مرتضى (أحد ممثلي حركة "أمل" في الحكومة) ودعمه للنقابة وأفكاره الخاصة في رعاية النشاطات الثقافية، وثمّة من يلمح إلى أنّ بعض دور النشر باتت لديها تحفظات على النادي الثقافي العربي وطريقة إدارته المعرض... بالتأكيد يأتي ذلك في خضم الأزمة الاقتصادية مسبوقة بجائحة كورونا وترهل بيروت، وذلك كله يزيد من "النق الثقافي" ورمي المسؤولية على هذا وذلك، مع توهمات من البعض بالقدرة على صناعة مجد جديد للكتاب في عاصمة نخرتها الايديولوجيات السياسية والرايات والبيارق.
ثمّة دور لبنانية لا يعنيها التباين والصراع وستشارك في معرض نقابة الناشرين، ومعرض النادي الثقافي العربي في دورته 65 في مركز سي سايد آرينا - جل البحر(البيال سابقاً) من 23 تشرين الثاني إلى 3 كانون الأول، والتبدّل في الموعد التقليدي للمعرض يعود إلى الحجوزات المسبقة في الصالة، في حين أعلن المعرض الفرانكوفوني تنظيم "بيروت كتب" في موسمه الثاني من 2 إلى 8 أكتوبر المقبل، ويغلب عليه طابع النشاطات واللقاءات في المركز الثقافية والمكتبات في إطار اللامركزية الثقافية. وإذا كان النشاط الفرانكوفوني قد وجد صيغة تلائم طموحات جمهوره وتخرج من الإطار التقليدي والروتيني وقوقعة المكان، فكثف من ندواته وأمكنة حواراته بعد تعثر المعرض في صيغته القديمة، فالنادي الثقافي العربي بات يدرك الأزمة التي تخيّم على المعرض البيروتي العريق، مع بروز معارض ضخمة في بلدان الخليج العربي وغيرها، تستقطب أبرز الكتّاب العرب والعالميين وتقيم الكثير من النشاطات، وتستحوذ على أهم دور النشر، بل تدعم الناشرين بالمال والمشاريع، وفيها ما يشجع الدور على المشاركة والاحتفال. في المقابل، تتقلص المشاركات العربية في بيروت، ويشحّ الدعم المعنوي والمادي، وما يعرفه النادي الثقافي العربي، أنّ المعرض ليس عرض كتب فحسب أنه فكرة وحدث وذاكرة وفضاء ولقاءات، وفكرة أنّ بيروت واحة للحرية للكتب الممنوعة أو غير المرغوب فيها، تقلصت أيضاً مع طوفان الانترنت وتقلص معها الزائر العربي. وما نقوله عن النادي الثقافي العربي، ينطبق على الحركة الثقافية أنطلياس(تقيم معرضها في الربيع)، التي، وإن استمرت على مدى سنوات في اقامة معرض له جمهوره وترتكز نشاطاته على عناوين محددة "لبنانوية" إذا جاز التعبير، لكن هذا بات يلزمه دفع جديد من اجل الاستمرار. أما معرض الكتاب الدولي فمشكلته الأبرز، بحسب ما تقول أكثر من جهة، تكمن أنه برعاية وزير، له فَهم آخر للكتب وللثقافة والسينما والعمل السياسي. له مواقف مناهضة للحرية، وعلاقة متوترة مع كثيرين... في المحصلة أعلنت إدارة المعرض في بيان أسباب إقامة المعرض، والتي بدت مجرد أفكار روتينية لا تحمل أي جديد وأي فكرة وأي صدمة إيجابية، واقتصر الترويج للمعرض حتى الآن على ذكر عدد الدور المشاركة مع بعض الأقوال الأدبية لشعراء وكتّاب من هنا وهناك، تحفز على القراءة... وننتظر مجريات المعرض لتكون لنا كتابات أخرى.لكن... هل يحتمل لبنان أربعة معارض للكتب؟
أمر عادي أن يشهد لبنان كثرة في معارض الكتب، لكن هل هي قادرة على النجاح والمنافسة وخلق مناخ ثقافي تعددي من دون أن تكون مجرد نوايا إقصائية احادية؟ هنا يكمن التحدي الكبير. والخوف من أن تتحوّل معارض الكتب من منافسة حضارية ثقافية إلى صراع على إثارة العصبيات المناطقية والطائفية بهدف ضخ المزيد من الزوار.