ما زالَ لبنان في المرحلة الإنتقالية الفاصلة بين تراجع المبادرة الفرنسية، والدخول في مرحلة انتقالية جديدة تلعب فيها القوى الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة الدور الأكبر، وخاصة في مد الجسور بين واشنطن وطهران، المتقاطعتان على أكثر من ملف ومصلحة في رقعة الشطرنج الإقليمية. لكن في الداخل، ما زالت غالبية القوى السياسية تتعامل مع ملف الرئاسة على أنه البازار الأهم لرفع السقوف وثمن الأوراق الترشيحية التي تتعامل بها، وليس على أنه محطة في مصير وطن وفرصة لتنفيذ إصلاحات اللامركزية وإعادة هيكلة المصارف وإقرار خطة راديكالية للتعافي، خاصة وأن حبر التحذيرات القاسية لصندوق النقد الدولي الذي يضيق صدر المنظومة المصرفية – السياسية به، لم يجف بعد.
وفي الصورة القريبة أكثر من ملف وتحرك. فالحوارُ الضبابي لرئيسِ المجلس النيابي نبيه بري لا يزال أسيرَ رهاناته و"انتظاراته"، في الوقت الذي يسودُ فيه كلامٌ كثير عن الموفدِ القطري والرسائل التي يحملها. إلى ذلك تشهد فرنسا الأسبوع المقبل لقاء هاماً بين البابا فرنسيس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لن يكون ملف لبنان بمعضلاته غائباً عنه.
وتزامناً، يستمر إطلاق النار الإعلامي على الحوار بين التيار الوطني الحوار وحزب الله، وإشاعة أجواء غير صحيحة وكاذبة كالعادة، في ظل المعلومات عن تقدّمٍ مستمر في المفاوضات والبحث ولا سيما على خط اللامركزية.
في ظل هذا الواقع السياسي، لا تزال معضلة النزوح السوري القديم والجديد منه خاصة الملف الأخطر على لبنان ومجتمعه ومستقبله، وما مداهمات الجيش اللبناني المتكررة لمخيمات النازحين وآخرها في البقاع إلا إظهاراً لمخاطر استمرار هذا الواقع، خاصة وأنه يحمل في طياته كل معطيات التفجير في حال توفرت الإرادة والنية لقوى دولية وإقليمية لاستعمال هذا الصاعق. ولا تترك القوى الأوروبية فرصة إلا وتعترف علناً بأن لبنان بالنسبة إليها راهناً ما هو إلا حاجز لحمايته من موجات النزوح، في الوقت الذي تعتبر فيه أنه يجب أن يدفع وحده ضريبة تفجير الحرب السورية، في الوقت الذي تبقى فيه هي محميةً وراء البحار وحدود الإتحاد الأوروبي.
وميدانياً استمرت الهدنة الهشة في عين الحلوة بعد اللقاءات التي عقدت لدى أكثر من جهة، من دون أن يعني ذلك استقراراً دائماً في ظل تحفز القوى الفلسطينية لنيل "ثأرها" بيدها، وطالما استمر التعاطي مع المخيم من قبل القوى الداعمة بالمال والسلاح واستقطاب المقاتلين المتشددين، على أنه مساحة لتوجيه الرسائل وتصفية الحسابات، في قضية يُراد لها تصفيتها لكي تستريح إسرائيل والقوى الدولية الداعمة لها.