″هذا استفتاء على ما يعتقده الناس عنا″ الكاتبة والمؤلفة جاكي هوجينز من السكان الاصليين
في 14 أكتوبر 2023، سنذهب لنصوت في الاستفتاء التاريخي حيث سيكون لدينا سؤال من جزأين في الجزء الاول سيُطلب منا الاعتراف بالسكان الأصليين الأستراليين في إطار الدستور، والجزء الثاني التفويض بإنشاء صوت للسكان الأصليين لينقل قضاياهم للبرلمان والحكومة، وفي حال نجاح الاستفتاء سوف يتم تثبيت الصوت في الدستور ولا يبقى خاضعاً لمزاج الحكومات.
من أين جاءت فكرة الصوت؟، في العام 2017 إجتمع قرابة 250 من قادة السكان الأصليين في “اولورو” واصدروا بيانا عرف بـ”بيان اولورو من القلب” وطالبوا بالاعتراف بالسكان الأصليين في الدستور واقرار صوت لهم لنقل معاناتهم ومقترحاتهم للبرلمان والحكومة ومن اجل المصالحة الوطنية الشاملة
هناك مؤيدون لهذا الاقتراح وهناك معارضون له ويعرف فريق المؤيدين بحملة (نعم) وفريق المعارضين يعرف بفريق حملة (لا) ولكل فريق آرائهم التي تدعم مواقفهم وقد قامت الحكومة الاسترالية بتوزيع كتيب على كل المنازل في أستراليا يشرح وجهتيّ نظر الفريقين.
شعارفريق نعم يقول: ان التصويت بنعم هو من أجل الوحدة ، والأمل لأحداث فرق إيجابي ومستقبل افضل للسكان الأصليين(الابوريجينال) وسكان جزر مضيق تورر وكل الاستراليين.
وبالنسبة لهم التصويت بنعم يعني الاعتراف بحضارة عمرها 65 الف سنة واحترامها، والاستماع للسكان الأصليين، وإحراز تقدم عملي في قضايا الصحة والتعليم والتوظيف والاسكان.
ويشرح فريق “نعم” ما هو الصوت ويقول: هو لجنة مشكلة من السكان الأصليين ستقدم النصائح للبرلمان والحكومة في القضايا التي تتعلق بهم وسوف يتمثل في هذه اللجنة السكان الاصليين من كل الولايات وسيتم إختيارهم من قبل السكان الأصليين أنفسهم.
الهدف من الصوت اتخاذ قرارات أفضل، الحصول على نتائج افضل، وتقديم خدمات بدون هدر الاموال.
وحسب فريق “نعم” فإن 80% من السكان الأصليين يدعمون الاقتراح.
نشير الى أن السكان الأصليين يشكلون 3% فقط من مجموع سكان استراليا البالغ عدده حوالي 27 مليون نسمة.
فريق شعار “لا” يقول: إذا كنت لا تعرف فصوت بلا، ويعتبرون ان هذه الخطوة تشكل خطرا على النظام الحكومي المعمول بهً في البلاد، وهناك مخاطر كبيرة في ما يتعلق بالتحديات القانونية التي قد تنتج عن إقرار الصوت، ويقولون انهم يجهلون ما هو هذا الصوت ويريدون معرفة المزيد من التفاصيل، ويعتقدون انه عامل فرقة بين المواطنين، وان العديد من السكان الاصليين ضد هذا الاقتراح، ويعتبرون ان تثبيته في الدستور له تداعيات سلبية في المستقبل، وينظرون الى هذا التغيير على أنه اكبر تغيير على الديمقراطية الاسترالية في تاريخها. ورغم ذلك يزعمون اننا جميعاً نريد مساعدة السكان الأصليين المحبطين!
هناك خيار آخر تقترحه المعارضة لدعم الاعتراف بالسكان الأصلين وهو تعديل السؤال وحذف اقتراح الصوت من أسئلة الأستفتاء وإجراء استفتاء الاعتراف بالسكان الأصليين الأستراليين بالدستور كأول شعوب هذه القارة معتبرة أي المعارضة ان هذا الامر سهل وهو صحيح.
المعارضون للصوت اصيبوا بهستيريا وقد لجاوا الى خطاب تضليلي ولأسباب سياسية بحته حتى ان زعيم المعارضة الفيدرالية قد ذهب الى حد القول انه على استعداد لإجراء إستفتاء جديد للإعتراف بالسكان الأصليين في حال فوز حزبه في الانتخابات القادمة وتشريع الصوت بقرار حكومي غير مثبت بالدستور وتشكيل لجان من السكان الاصليين على مستوى البلديات.
وكأن المعارضين يقولون بتكريس الجهل في الوقت الذي يعيبون على الحكومة عدم إعطاء التفاصيل الكافية حول الصوت، حيث يتساءلون ماذا سياتي بعد الصوت الذي يعتبرونه خطوة اولى قبل المطالبة بمعاهدة وقول الحقيقة عن معاناة السكان الاصليين على يد المستوطنين الاوائل؟.
وصل الامر بفريق حملة “لا” الى حد التخويف من ان هناك من يطالب بالغاء يوم أستراليا الوطني الذي يصادف 26 كانون ثاني من كل عام والذي يعتبره السكان الاصليون يوم الغزو بالإضافة الى المطالبة بتغيير العلم وغيرها من المؤسسات والرموز وإعادة كتابة تاريخ أستراليا الى جانب المطالبة بتعويضات مالية.
كذلك انتقد فريق “لا” المطرب “جون فانهم” الذي قدم أغنيته “انت الصوت” لفريق “نعم” ليستخدمونها في الترويج للتصويت بـ”نعم” ولم تنجو الشركات الكبرى من نقد فريق “لا” بعدما اعلن معظمها تأييد الصوت علماً ان الشركات وفريق المعارضة ينامون في نفس السرير عندما يتعلق الامر بحقوق العمال!
مالكوم تيرنبول رئيس الوزراء الأسبق (أحرار) قال ان حكومته عارضت الإقتراح عام 2017 لكنه سوف يصوت بنعم لصالح الاقتراح، وأضاف: ان التصويت بنعم من اجل تقديم الاحترام للسكان الأصليين حيث يمكننا معاً ان نطوي صفحة من التاريخ نحو العدالة وتابع علينا أن لا نسمح للمثالي والكمال بان يكون عدواً للخير.
محرر الشؤون السياسية في صحيفة سدني مورننغ هيرالد بيتر هارتشر كتب مقالة في 2/9/2023 بعنوان: هل الصوت للبرلمان خطر؟ دعونا نحصي المؤسسات الأخرى المشابه تمامًا.
وعدّد أكثر من عشرة هيئات إستشارية تقدم استشارتها للحكومة في كل المجالات من الصحة الى التعليم والدفاع والضمان الإجتماعي والمالية والبنك المركزي… إنهم موجودون في كل مكان، ويقدمون المشورة بشأن كل شيء تقريبًا.
وختم مقالته بالقول: إذا كان أجدادنا يستطيعون أن يقولوا نعم في عام 1967، وإذا كان آباؤنا يستطيعون أن يقولوا نعم لحقوق الأرض، فإن هذا الجيل قادر على أن يقول نعم للجنة استشارية.
من الآن حتى 14 تشرين اول سوف نسمع المزيد والمزيد من حملات التضليل والهستريا السلبية من قبل حملة “لا” ولن يكون آخرها التهديد بالقتل والذي تحدثت عنه إحدى زعماء السكان الأصليين البروفسورة مارسيا لانغتون التي زعمت في كلمة لها في نادي الصحافة الوطني في كانبرا (5/9/2023) أن التهديدات بالقتل والإساءات تستهدف المدافعين الرئيسيين عن التصويت بـ”نعم” في استفتاء 14 أكتوبر.
في دعوة عاطفية للناخبين لإنقاذ الأرواح من خلال التصويت من أجل التغيير قالت لانغتون إنه “ليس هناك ما يدعو للخوف” من “صوت السكان الأصليين” وحذرت الناخبين من”خداع” نشطاء حملة “لا” الذين زعموا أن النتيجة ستقسم البلاد على أساس العرق.
أخيراً نشير الى ان إستطلاعات الرأي الاخيرة جاءت بنسبة %54 لفريق “لا” و46 لفريق “نعم”.
لكن رغم هذا الفارق فإن الاستطلاع الذي يعتد به هو يوم الاستفتاء والذي يحتاج الى أكثرية الاصوات على مستوى أستراليا واكثرية اربع ولايات من أصل الولايات الست حتى يعتبر ناجحاً.
في الختام أعتقد ان الشعب الأسترالي سوف يضع خلف ظهره الماضي وينظر بعين الامل الى مستقبل أفضل وأكثر ازدهاراً لنا ولأجيال المستقبل…
ولذلك سوف أصوت بـ”نعم”.
الكاتب: عباس علي مراد ـ سدني
المصدر: سفير أستراليا