ميشال ن. أبو نجم - هل هي المصادفات التاريخية التي تكرّر مشاهدَ ماضية، سواء بالمهزلة أم بالمأساة بحسب التفسير الماركسي، أم هي عقدةٌ لبنانية سرَتْ عدواها إلى الإدارة الفرنسية في المرحلة السابقة؟
مرد هذا التساؤل ليس ما أفصحت عنه نتيجة جولة لودريان فحسب، بل استحضار تحذيراتٍ تمتد منذ العام 2004 حين دعا العماد ميشال عون من باريس عشية عيد الإستقلال لحوار لبناني – لبناني ولبناني – سوري يسبق الإنسحاب السوري، فتلقى آنذاك ما تلقاه من هجوم مما عُرف لاحقاً ب"14 آذار" في المزايدة في الوقت الخطأ، أم في عدم تصديق بعض قياداتهم حدثَ الإنسحاب. والسلوك مماثل لصرخة التحذير من النزوح السوري، وصولاً إلى مقاربة ملف الرئاسة وإشعال الضوء الأحمر للإدارة الفرنسية في الفترة السابقة في تماهيها مع محاولات الفرض الرئاسي.
محاولة استدراك كل ما سبق كانت سهّلت الحل لو صيغت الحسابات في شكلٍ أكثر دقة وملاءمة للواقع. والفارق بين إعلان طي مرحلة بجولة لودريان والدخول في أخرى، هو حالة بسيطة ومعقدة في الوقت نفسه، أي الوقت، الذي كان بالإمكان توفيره واختصار الجهود العبثية التي لم تصل إلا إلى الحائط المسدود.
هل هي صدفة أم استشراف، أن تصل القوى المحلية والدولية على اختلافها بما فيها تلك التي كانت ذات يوم قوة عظمى، إلى ما كان سبق بها "التيار" الجميع عندما نادى بخارطة طريق رئاسية، تتضمن مواصفات الرئيس، والأولويات المالية والإصلاحية الواجب بتها، فضلاً عن الحوار المحدد بالضوابط؟ ومع الإقرار بقدرة "التيار الوطني" كحالة سياسية – اجتماعية على المبادرة وطرح مخارج لبنانية للأزمات، فإن هذه الأفكار لم تكن لتحتاج كثيراً من التفكير والعناء من أجل بلورة هذه الخارطة ومندرجاتها. كل ما كان مطلوباً هو الإقرار بالواقع، والإبتعاد عن السلوكيات الفوقية والتوهّم بفرض مرشحين أو التمسك بالعبثية المطلقة، وبجرّ قيادة "التيار" على مقايضات سلطوية لا تُغني ولا تسمن عن جوع، لدى من تعرّض لأعنف هجوم سياسي – إعلامي شهده لبنان في تاريخه المعاصر بهذه الكثافة من "النيران"، لالتزامه الحرص على مكامن قوة لبنان والحفاظ على ثرواته، ورفضه التوقيع على وثيقة استسلام مارك بومبيو.
هي أيضاً ليست بالصورة البسيطة، أن يقرّ ممثل دولة فرنسا بفشل كل تلك الرهانات لخلية الأزمة، من خلال إعلان فشل خيار سليمان فرنجية، والدعوة علناً لصنع مرحلة جديدة. ما يعنيه لودريان ليس فقط الإسم، أو التعبير عن إنهاك المبادرة المصابة منذ البداية ب"الخطيئة الأصلية" للتهميش وضرب الميثاقية، بل هو سياق كامل وإقرار بضرورة البحث عن الخيارات الجديدة، هذا فضلاً عن تسليم الراية للأصيل الحقيقي في الملف الرئاسي المتمثل بالدور الأميركي.
كل ذلك يقود إلى تأكيد مسار المقاربة الشاملة لملف رئاسة الجمهورية، مع ما تعنيه من إعادة صياغة للمرحلة المقبلة بكل تحدياتها. ففحوى ما أعلنه جبران باسيل مراراً أن خياري فرنجية وجوزيف عون لا يستطيعان تأمين التوافق اللبناني المنشود، لا لأسباب سياسية وجيهة فحسب، بل انطلاقاً من حسابات الواقع اللبناني، والموانع الإقليمية والدولية التي تحيط بكلٍّ من المرشحَين.
عودٌ على بدء إذاً؟ إنها ببساطة عود على نقطة التقاطع المشتركة بين القوى السياسية، على ما يمكن التوافق عليه. ما يعنيه ذلك هو رفض كل محاولات التذاكي السابقة، ومن معظم الأطراف المتواجهة.
وهنا لسنا أمام أحجية بقدرِ ما أن المطلوب حلول على مستوى الأزمة، التي وللمفارقة يُغرقها غالبية السياسيين بعناوين مثيرة لا للشعبية بل للغثيان من طوفان الدجل على المواطنين الذين يسأمون أساساً من مناقشة ملفات مالية واقتصادية ذات طبيعة تقنية، فكيف بالحري في العبارات الإصطلاحية لكيفية رد الودائع وخطط الصندوق النقد الدولي وما يرافقها...