عاد ملف النازحين السوريين الى صدارة المشهد السياسي مع ازدياد موجة النزوح غير الشرعي من سوريا الى لبنان، مكرّساً مثل كل مرة الانقسام العامودي في البلاد بين من يريد استضافتهم وفق قواعد حسن الجوار، ومن يريد ابقاءهم لتسجيل مواقف سياسية تفيد مآربه الشخصية، وطرف ثالث يدعو الى اعادتهم على اعتبار ان الحرب السورية قد افلت وبات لزاماً عليهم ان يعيدوا اعمار بلدهم ويخففوا عن اللبنانيين وزر لجوئهم.
يبدو واضحاً ان اشتداد الازمة الاقتصادية في سوريا جراء تدهور سعر صرف الليرة، وانهيار القيمة الشرائية للرواتب، سبّبا حركة النزوح الكثيفة هذه لإنعدام أي إمكانية للعيش وتأمين الحاجات اليومية الاساسية. ناهيك عن ان العدد الاكبر من النازحين الجدد هم من الفئات العمرية الصغيرة والمتوسطة، الامر الذي ينذر بمزيد من المشاكل على مختلف الاصعدة.
الى ذلك، فإن الارقام الرسمية تدعو للهلع اذ منذ بداية العام ٢٠٢٣ وحتى اليوم، جرى توقيف ٢٢٠٠٠ نازحاً دخلوا البلاد خلسة وتمت اعادتهم، ٣٧% منهم خلال شهر آب المنصرم. توازياً فإن نسبة السجناء السوريين تشكل ٣٠% من مجمل نزلاء السجون في لبنان والبالغ عددهم ٨٠٠٠ شخصاً.
في السياق، يشير مسؤول ملف النازحين في حزب الله النائب السابق نوار الساحلي الى ان “موجة النزوح المستجدة خطرة بتوقيتها وواقعها، خاصة وان آلاف النازحين دخلوا خلسة الى لبنان، واكثرهم من الفئات العمرية التي تتراوح بين ٢٥ و ٤٠ عاماً، وهذا ليس نزوحاً امنياً او هرباً من الحرب بل هو نزوح اقتصادي بحت للبحث عن عمل”.
ويضيف “نحن نعرف جميعاً ان وجود حوالي مليوني لاجئ سوري في لبنان اضحى يفوق قدرة التحمل لدى الدولة اللبنانية والشعب والبنى التحتية، اضافة الى تردي الوضع الاجتماعي وازدياد نسبة البطالة. وبالتالي هذا الامر مريب جداً وخطر جداً”.
واذ دعا الساحلي الاجهزة الامنية الى المزيد من التشدد “رغم نقص العديد”، حمّل المسؤولية الكبرى في موجة النزوح الكثيفة هذه “الى من يشجع هؤلاء للقدوم الى لبنان واعني بذلك المنظمات غير الحكومية وعلى رأسهم ال UNHCR، والتي تعمل على ابقاء النازحين في لبنان واغرائهم لعدم العودة الى بلادهم سواء بالعطاءات المالية او بالترغيب والترهيب”.
الساحلي الذي شجب عدم اكتمال نصاب الجلسة الحكومية المخصصة لبحث ملف النزوح وبالتالي تعطيلها، تمنى ان “يترأس الوفد الى سوريا رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، لتتم المناقشات مع السلطات الرسمية السورية على اعلى المستويات، خاصة بغياب رئيس للجمهورية”. مؤكداً على ضرورة “ان يُنجز اتفاق لبناني – سوري لمواجهة العداوة الغربية لان الوضع لم يعد يحتمل بقاء النازحين في لبنان، كما ان اعادتهم الى سوريا تستوجب مساعدة اممية ومن المنظمات غير الحكومية للدولة السورية سواء عبر اعادة الاعمار او عبر المساعدات المادية والعينية ليتمكنوا من العودة الى منازلهم واعمالهم”.
سياسياً ايضاً، كان بارزاً غياب وزراء التيار الوطني الحر عن الجلسة الحكومية امس، لا سيما وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، هم الذين ما فوّتوا مناسبة الا ودعوا فيها الى اعادة النازحين الى بلادهم، كانوا السباقين الى التنصل من المسؤولية بحضور جلسة اقل ما يقال عنها انها “اولوية”.
اذاً، وبعيداً عن العنصرية والكيدية، بات واضحا ً ان النزوح السوري الى لبنان اضحى يشكل “خطراً وجودياً”، لا سيما وان العقبات تزداد يوماُ بعد يوم بسبب تراكم الازمات. فهل يعي المسؤولون اللبنانيون فظاعة ما وصلت اليه الاحوال فيتخذوا موقفاً موحداً يطيح بأي تدخل خارجي ويعيد النازحين الى بلادهم ام ان الضوء الاخضر الخارجي سيبقى كما درجت العادة مُنتظَراً لبلورة اي حلول؟