تولى الدكتور وسيم منصوري منصب حاكم مصرف لبنان بالإنابة في 1-8-2023 بعد انتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة وفقا لقانون النقد والتسليف وذلك في ظروف استثنائية معروفة شهد لها جميع المراقبين الدوليين بأنها من أصعب المراحل السياسية والنقدية في تاريخ لبنان المعاصر.
انطلاقاً من ذلك اتت زيارة الدكتور وسيم منصوري إلى مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، حيث شارك في مؤتمر اتحاد المصارف العربية في مدينة الرياض وأجرى لقاءات وصفت بالهامة مع مسؤولين ماليين سعوديين، على غرار وزير المالية ومحافظ المصرف السعودي المركزي. اتَّسمت هذه الزيارة بالنجاح إذ مُدِّدت فترتها ليوم إضافي مما يدلُّ جلياً على تفهّم الجانب السعودي الرسمي لمطالب الدكتور منصوري المالية التي حملها ضمن حقيبته من بيروت. أهم هذه المطالب دعم الوضع الاقتصادي اللبناني المنهار على كافة الصعد، وذلك من خلال ضخ ودائع في مصرف لبنان وتقديم مساعدات مالية مباشرة إلى أجهزة القوى الأمنية اللبنانية المتعثرة كلياً دون المرور عبر أي من قنوات حكومة تصريف الأعمال وذلك بصفة مستعجلة ذات طابع إنساني واجتماعي.
إن جميع هذه المطالب لا يمكن تحقيقها إلا بعد انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وتأليف حكومة ذات استقلالية وسيادة تقوم على تنفيذ كل الإصلاحات النقدية المطلوبة ومحاربة الفساد المستشري داخل المؤسسات الحكومية، خاصة وزارة الطاقة.
سبق زيارة الدكتور منصوري إلى السعودية عدة خطوات إدارية داخل البنك المركزي أهمها اتخاذ إجراءات ساهمت بشكل كبير في إنجاح مهمته إلى الرياض. من ضمن هذه الخطوات زيارته إلى أمريكا واجتماعه الشفاف مع المسؤولين النافذين في بنك النقد الدولي وتعهده باتباع سياسة الشفافية في التعامل النقدي الجاري، محاربة تبييض الأموال وملاحقة تمويل منابع الإرهاب.
في هذا السياق تم إيقاف التعامل بالسياسات المالية التي اتَّبعها الحاكم السابق رياض سلامة حيث توقف جذرياً تمويل الحكومة من أموال المودعين أو من الاحتياطي الالزامي، أكان ذلك بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأمريكي. تبع ذلك وضع خطة متماسكة لإعادة هيكلة المصارف والبدء بالإصلاحات المطلوبة، كما تمَّ اعتماد منصة شركة بلومبيرغ للتداول في الأسواق المالية بدلا من منصة صيرفة الحالية، علماً أن شركة بلومبيرغ تحتاج إلى فترة زمنية أقلها شهرين لإطلاق المنصة. حتى الآن لا يمكن التكهن بمعرفة مدى نسبة نجاحها إلا في المستقبل القريب، علماً إن حجم تداول هذه المنصة المرتقب لا يتجاوز عشرين مليون دولاراً يومياً.
أول خطوة قام بها الدكتور منصوري وبعث من خلالها الثقة والشفافية وتميَّز عن سلفه، هي نشر الأرقام الصحيحة لدى “بنك المعلومات” في مصرف لبنان، مع إرغام مؤسسات الدولة على الاعتماد الفعلي على مصادرها التمويلية القديمة والجديدة في الوقت نفسه أي بالإسراع في عملية التمويل من مصادر الدولة الأساسية وحماية إيراداتها. هذه النقلة النوعية تستدعي تطبيق التالي:
– القيام بالإصلاحات المطلوبة وانتظام الحركة النقدية وعلى رأسها تعديل السياسات المالية لدى المؤسسات الحكومية.
– وقف التوظيف العشوائي كالذي قامت به بعض الكتل السياسية في القطاع العام خلال فترة حكم الرئيس عون ، علماً ان اجمالي موظفي هذا القطاع يبلغ حوالي 320,000، معظمهم لا عمل لهم و من له عمل لا يعمل.
– حماية الحدود البرية، البحرية والجوية وذلك منعا للتهريب الجمركي ووقف التهرب الضريبي في كافة أنحاء البلاد.
– فتح جميع الدوائر الرسمية والدوائر المغلقة منذ فترة طويلة قاربت خمسة أشهر مثال العقارية، المالية والميكانيك.
– الجباية المالية من جميع مرافق الدولة وأهمها الكهرباء، الماء، المالية، العقارية.
– تحصيل الرسوم على كافة أشكالها وتحصيل ضريبة الدخل والضريبة على القيمة المضافة (TVA).
– بدء قيام الدولة بمكننة هذه القطاعات الخدماتية للمواطن اللبناني، بما فيها البلديات لوقف آفة الرشوة داخل المجتمع اللبناني.
هذه الخطوات تعيد ثقة بنك النقد الدولي بلبنان فيتم تحويل 3 مليار دولار أمريكي لحساب مصرف لبنان بعد إقرار قانون الموازنات المالية للأعوام الثلاث 2022، 23 و24. بيد أن هذه الخطوة القانونية والدستورية معا أساسية لكنها ليست بكافية.
المطلوب، المباشرة فوراً بتقييم أصول أكبر 14 بنك في لبنان وتفعيل لجنة الرقابة على المصارف، وتحديد مصير الودائع في المصارف التي تخص المواطن اللبناني وبقية الجنسيات الأخرى بالتساوي في المعاملة والمودعة لدى البنوك، وعدم الأخذ باقتراح شطب 60مليار دولاراً أمريكياً من قيمة إجمالي الودائع المصرفية والتحقق من أحقية تفسير البند رقم 113 من قانون النقد والتسليف لدى البنك المركزي، هذا البند الذي تسبب بجدل في تفسير قانونيته.
هذا الأمر التقني البحت يستدعي من جميع أركان الدولة بما فيها المجلس النيابي تفعيل جسم القضاء المستقل في لبنان لمحاكاة هذا الجدل القانوني وصون حقوق المودعين المقيمين والمسافرين على السواء بالأموال المودعة لدى البنوك اللبنانية، آخذين بشعار ” الأموال المودعة حق شرعي ولا تفريط فيه” على أن تقتصر مدة جدولة الاستحقاق على أربع الى خمس سنوات على أبعد تقدير. في هذا السياق لبنان الوطن قد يستطيع أن يعود مرة أخرى ليسير إلى جانب الدول المتحضرة في تطبيق الدساتير والقوانين المرعية بحرية واستقلالية دون وصاية من دول الخارج ليعود مرة أخرى وطنا يحتذى به ويفخر به مواطنوه جميعاً.
حمى الله لبنان واللبنانيين!..
الكاتب: المهندس شفيق ملك