حتى مطلع الأسبوع الماضي، كانت نسب التفاؤل كبيرة بأن تلتئم طاولة الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في النصف الثاني من شهر أيلول الجاري، وأن يعقبها إثر سبعة جلسات حوار تعقد تحت قبة البرلمان إنتخاب رئيس جديد للجمهورية في جلسات مفتوحة، إلّا أنّ تطورات ومواقف الأيّام اللاحقة جعلت ولادة هذا الحلّ صعباً للغاية، وأعادت الأزمة الرئاسية إلى المربع الأول.
مطلعون على الإتصالات التي جرت عقب الدّعوة التي أعلنها برّي الشّهر الماضي في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، أوضحوا أنّ نحو 90 نائبا على الأقل، موزّعين بين نوّاب منتمين إلى كتل وآخرون مستقلين، قد أعلنوا موافقة نهائية أو مبدئية على تلبية دعوة رئيس المجلس للحوار، أملاً في وضع نهاية للفراغ الرئاسي الذي مضى عليه 10 أشهر ونصف الشهر تقريباً، إلى أن إنقلب رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل على موقفه المؤيّد للحوار إلى موقف أقرب إلى الإعتراض عليه منه إلى الموافقة، بسبب الشروط التي أعلن تمسكه بها مسبقاً قبل عقد جلسات الحوار، ومطالبه وحصّصه في العهد الرئاسي المقبل.
إنقلاب باسيل على موقفه جعل عدد النوّاب يتراجع إلى ما دون النصاب القانوني، وأضاف كتلة مسيحية جديدة إلى كتلتي المعترضين على الحوار، وهما كتلة حزب الكتائب وكتلة حزب القوات اللبنانية، إضافة إلى نواب تغييرين ومستقلين، الأمر الذي عنى أنّ أغلبية نيابية مسيحية واضحة باتت تعارض الحوار ولن تشارك به، ما أجهض مسعى برّي الذي كان قد اشترط مسبقاً حضور جميع الكتل للحوار وإلّا لن يعقد جلساته، وسيفضل عندها تأجيله بانتظار ظروف أفضل.
ما سبق جعل برّي، على لسان مقرّبين منه، يعلن أنّه يُفضّل التريّث في الدعوة للحوار، بانتظار ما سيحمله في جعبته الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان الذي يترقب وصوله إلى بيروت هذا الأسبوع، في جولة هي الثالثة له في لبنان منذ تكليفه إيجاد مخرج للأزمة الرئاسية، ليبني على الشيء مقتضاه.
ومع أنّ التعويل على مهمّة لودريان يكاد يكون معدوماً، كونه لا يحمل تفويضاً دولياً من قبل اللجنة الخماسية (زائداً واحداً) المُكلّفة معالجة الأزمة اللبنانية، بكل تعقيداتها، فإنّ الآمال تبدو بدورها شبه معدومة على أن تكون دعوة برّي تعويضاً عن مهمّة الموفد الفرنسي، وإنقاذاً للبنان من براثن الفراغ الذي يهدّده بالدّخول في المجهول، وفي مرحلة غامضة وخطيرة من الفوضى والتوتّر السّياسي والأمني.
ومع أنّ كتلاً نيابية وقوى سياسية إعترضت وتحفّظت على مهمّة لودريان، فإنّ موقف باسيل قطع الطريق على دعوة برّي، ما رسم سؤالاً مقلقاً حول مصير لبنان في ضوء تعثّر مساعي الحلّ الداخلية والخارجية، والدوران في حلقة مفرغة.