في ظل الأجواء الإيجابية التي ترافق استلام نائب الحاكم الأول لمصرف لبنان وسيم منصوري مهام الحاكمية، يراهن المودعون على تغييرٍ ما يرافق تلك الأجواء، علّها تنعكس على السحوبات التي يجرونها عبر التعميمين 151 و158، وتواجه بالتوازي تعسُّف بعض المصارف، وتحديداً في إقفال الحسابات عنوة.
لكن ما يريده المودعون لا ينسجم مع وجهة نظر المصارف، التي تربط تحسين عملية الإفراج عن الدولارات بتأمين السيولة الكافية، وليس فقط عبر تغيير مصرف لبنان لمضمون التعاميم.ثلاثة بنود أساسيةما تُفرِج عنه المصارف للمودعين بحسب تعاميم مصرف لبنان، لم ينسجم يوماً مع مستوى ارتفاع الأسعار في السوق، خصوصاً بعد دولرة أغلبها. لذلك، انطلقت آمالهم تجاه منصوري بالسعي لتعديل مضمون التعميمين 151 و158. فحملوا هذا المطلب ببنديه، خلال اعتصامهم اليوم الخميس 7 أيلول، أمام مصرف لبنان، إلى جانب بند ثالث يتعلّق بكفّ يد المصارف عن إقفال بعض الحسابات عنوة، عن طريق إصدار شيك مصرفي وإيداعه لدى كاتب عدل، وإجبار المودع بالتالي على قبول المبلغ وإقفال حسابه.
البنود الثلاثة "أصبحت لدى مدير مكتب الحاكم بالإنابة وسيم منصوري"، تشير مصادر في جمعية صرخة المودعين، التي واكبت تحرّك بعض المودعين أمام المصرف المركزي. وتقول المصادر في حديث لـ"المدن"، أن الجمعية "تبلَّغَت من القوى الأمنية، خلال التحرّك، أن المطالب وصلت إلى مكتب منصوري، ووافق مدير المكتب على لقاء وفد من الجمعية يوم الإثنين المقبل (بتاريخ 11 أيلول) لبحث المطالب".اللقاء المرتقب هو خطوة إيجابية وبداية نحو طرح موضوع تعديل التعميمين ووقف إقفال الحسابات. وسيطرح وفد الجمعية "تعديل التعميم 151 ليصار إلى رفع سعر الدولار للسحوبات واعتماد سعر منصة صيرفة بدل 15000 ليرة. أما بالنسبة للتعميم 158، فيجب رفع سقف السحب الشهري إلى 1000 دولار". علماً أن مصرف لبنان قلَّصَ سقف السحب الشهري بحسب التعميم 158 من 400 إلى 300 دولار، بدءاً من تموز الماضي.وتأمل المصارف أن يضغط منصوري على المصارف لمنعها من إقفال حسابات المودعين "الذين يعبّرون عن رأيهم في الإجراءات التي تتّخذها المصارف. فبعضهم يكتب على منصات التواصل الاجتماعي عن تعسّف المصارف أو بعض فروعها أو موظفيها، فتقوم إدارة المصرف المعني بإقفال الحساب انتقاماً. وهذا إجراء يجب ان يتوقَّف".العبرة بالسيولة والإصلاحاتتُلقي المصارف على الدولة مسؤولية تداعيات غياب السيولة وعدم القدرة على تأمينها للمودعين بالصورة المطلوبة. وكذلك المسؤولية عن عدم إجراء الإصلاحات المطلوبة للخروج من الأزمة وتحسين القدرة على سداد مستحقات المودعين تباعاً. وعليه، يجد رئيس وحدة الدراسات في بنك بيبلوس نسيب غبريل، أن تعديل سقف السحوبات وقيمتها غير ممكن حالياً. ووفق ما يقول لـ"المدن"، يكمن أساس المشكلة "في غياب السيولة لدى المصارف، وهذا بدوره يعود إلى افتقار الدولة لثقة المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال".
الإشارة إلى عدم وجود السيولة في المصارف، يعني بصورة غير مباشرة، ختم الملف على خلاصة عدم قدرة المصارف على زيادة معدّل السحوبات، حتى وإن أصدر مصرف لبنان تعديلاً على التعاميم، لأن المشكلة "ليست في تعديل التعاميم نظرياً، بل بتأمين السيولة النقدية فعلياً".تلك السيولة ليس من السهل تأمينها ما لم يكتسب لبنان ثقة المستثمرين الذين سيضخّون أموالهم في الاقتصادي. أما "المطالب التقنية"، فلا تنفع في هذه الحالة.كما التعديلات التقنية، لا يمكن التعويل فقط على الانفراجات العربية والدولية باتجاه منصوري رغم إيجابيّتها. إذ "لكيّ يُتَرجَم الانفراج عملياً ونقدياً، يجب أن يقترن بالإصلاحات التي تدخل ضمنها عملية الحوكمة وفصل السلطات واستقلالية القضاء.. وغير ذلك. فأصدقاء لبنان يقولون بأنه يجب علينا ان نساعد أنفسنا عبر الإصلاح، وهو ما قيل في مؤتمر سيدر في العام 2018".تدور تفاصيل أزمة المودعين لتحطّ في نهاية المطاف عند إصرار السلطة السياسية على ترقيع الوضع لا إصلاحه، وهو واقعٌ تستند إليه المصارف لرمي المسؤولية بالكامل على الدولة، في حين أن الطرفان كانا شريكين في الاستفادة من النظام الذي كان قائماً قبل الأزمة، والمرتكز على جذب أموال المودعين وتشغيلها لقاء فوائد مرتفعة، قبل تبديدها بمشاريع لصالح المنظومة.ولأن الملامة واستعادة الماضي لا تحلّ الأزمة، ينتظر المودعون نتائج لقاء الإثنين المقبل لتحديد الخطوات اللاحقة، فإما يتجاوب المصرف المركزي مع المطالب، ويضغط على المصارف لتطبيق التعديلات في حال إقرارها، وإما يستمر المودعون بالخروج إلى الشارع والتصعيد بالطرق التي يرونها مناسبة.