شَغلت زيارة آموس هوكشتاين بملحقاتها "التصويرية" في عمق مناطق نفوذ حزب الله، الوسط السياسي حول خفايا الزيارة ودلالات "راحة" الموفد الأميركي وضحكاته الموزعة يميناً ويساراً. انشغلَ اللبنانيون أيضاً بالنقاش التقني حول الحدود البرّية على اعتبار أنَّ هذه هي مهمة هوكشتاين. الواقع أنَّ كثيراً من هذه الخطوات كالزيارات واللقاءات ذات الطابع الدولي، غالباً ما يرافقها رمي قنابل دخانية. ذلك أنَّ الملف الرئيس لهوكشتاين، كان رئاسةَ الجمهورية لا الحدود، بحسب المعلومات.
مصادر ذات صلة وثيقة بواشنطن تكشف أن ملف الرئاسة، هو ما بحثه تحديداً هوكشتاين مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. يعيد هؤلاء التذكير بتغريدة المساعدة في الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند عشية الجلسة الأخيرة لمجلس النواب التي أدَّت إلى توتّر كبير في صفوف الثنائية الشيعية عكسَه وجه بري المتجهم في الجلسة، ويستشهدون بمبادرة بري فور مغادرة هوكشتاين للدعوة إلى الحوار من دون شروط. يشير هؤلاء إلى عدم قدرة أصدقاء بري في واشنطن على تغطيته، ومن هنا التلويح الدائم له بسيف العقوبات.
يرتبِط ذلك بالديناميكية الهجومية المستجدة للولايات المتحدة في المنطقة. وفي الترجمة الرئاسية في لبنان، عادت واشنطن وكما كان متوقعاً، إلى سحب الورقة الرئاسية من يد اللجنة الخماسية التي وجهت لها الضربة القاضية. كان معلوماً للقاصي والداني وبغض النظر عن الأخطاء الفادحة للإدارة الفرنسية، محدودية تحرك باريس والهامش الممنوح لها. عندما تحين الساعة ستتدخل واشنطن لمقاربة الملف وفقاً لسياساتها الإقليمية وتطور ترتيباتها مع إيران.
المصادر الوثيقة الصلة بواشنطن تستطردُ كاشفةً أنه ضمن هذا السياق، يمكن التفاؤل في شكلٍ حَذِر بإخراجٍ رئاسي في الشهرين المقبلين. ضحكات هوكشتاين لم تعنِ التجول بحرية في كل مناطق لبنان بقدر ما كانت تعكِس الراحة في تلك التي تشكّل خزان حزب الله البشري. وفي شكل أكثر وضوحاً، باتت واشنطن قابلة للتعايش مع رئيس يشارك حزب الله في "صُنعه"، وبطبيعة الحال مع حليفه التيار الوطني الحر.
هذه المصادر التي تتقاطع معلوماتها مع متابعات في أوساط أخرى، تعتبر أن بعض الصور التي وزعت في خلال الزيارة، لا تعبّر عن "مباركة" وتزكية رئاسية، بقدر ما كانت متّصلة بملفات أمنية، أو ما هو معاكس "للتزكية". لدى هذه المصادر رأيها في "أخطاء" ارتُكبت سابقاً وتمّ تسجيلها.
تقارِب الأوساط المطلعة إياها، وتتقاطع مع قراءة مرجعيات سياسية، السياسة الأميركية لبنانياً وتحرك هوكشتاين من ضمن المشهد الإقليمي، أميركياً. تراقب الولايات المتحدة الإقليم بعناية، لا بل بغضب، "تفلّت" بعض الدول العربية من الوصاية الأميركية والإتجاه نحو روسيا، والصين. في السابق كانت المملكة العربية السعودية مع خطوات محمد بن سلمان الجريئة، واليوم مصر وصولاً إلى الإمارات. ليس تفصيلاً أن الدولتين انضمتا إلى المحور المنافس بقوة للدولار والذي يسعى لإصدار عملة خاصة، منافسة.
الحرب العالمية الجديدة الدائرة في الميدان الأوكراني الذي يشكل حجر المواجهة بين قوى البحر والبر في "أوراسيا"، بحسب كل مؤسسي علم الجيوبوليتيك، تدفع في اتجاه التصعيد في الأرض السورية. تحركات السويداء لافتة ومعبّرة بكل أوجهها. هي على الأرجح نقطة الإنطلاق للامركزية الإنمائية تحديداً، وليس الفدرالية، في المشرق، وليس فقط لبنان المنغمِس في نقاشات تفصيلية حول الوحدات اللامركزية ونسبة الجباية المالية في كل قضاء، على خط الحوار بين التيار الوطني الحر وحزب الله. تداعيات هذه الحرب العالمية "الأوكرانية" تدفع إلى ديناميكية هجومية كابحة لأيّ تعاونٍ مشرقي ولو اقتصادياً، من لبنان إلى الأردن فالعراق العائد إلى الحضن الإيراني بعد فترة من الإتجاه نحو العرب مع الكاظمي. إنه إصرار على إبقاء دول المشرق في دائرة التبعية، يسهلُ تفكيكها والتلاعب بمجتمعاتها. فالوحدة السورية – العراقية خاصة كانت تاريخياً مثاراً للمخاوف الأميركية والإسرائيلية تحديداً.
هذه الديناماكية الأميركية الساعية إلى الإستقرار حماية للغاز، هي التي تفرض خيمة من الهدوء على لبنان. على الرغم من كل التصعيد الخطابي، لا تخطٍ للحدود، ولا توتراً داخلياً يمكن أن يؤدي إلى مواجهات أهلية. هنا يشير المتابعون والمرجعيات إلى الحد من منسوب "الحنفيات" المالية الإقليمية على اختلافها، وخاصةً السعودية.
في هذا الوقت، تسير الحوارات اللبنانية ببطء، لكن بثبات. القضايا مصيرية ومن شأن بتَها إحداث تحول جذري في بنية القرار المالي والسلطة. الرئاسة تصبح نتيجة لهذا المسار، وهي تبقى في كل الأحوال، "في أيدٍ أمينة"، لا موضوعاً للمقايضة ولا للتفريط، بعد كل ما حصل منذ ال2005 وحتى تاريخه...
ميشال أبي نجم رئيس تحرير tayyar.org