دمشق - هدى العبود
لا يزال المسرح السوري والعربي يبحث عن صوته الذاهب في معضلة الصراع بين التقاليد والتجديد التي أفضت منذ طلائع النهوض القومي في القرن الماضي إلى هاجس يؤرق المثقفين والمسرحيين العرب، وقد أنجب هذا الهاجس المؤرق الكثير من التجارب والمحاولات، والقليل من الإنجازات في إطار شاغل دال على القلق المتصل إلى وقتنا الحاضر، وأعني به «هوية المسرح العربي»، ثم صار هذا الهاجس إلى حساسية نامية فعلت فعلها في تطور الحركة المسرحية، ما جعل المسرح يتبادل التأثير، وغالبا على نحو مباشر، مع الحياة السياسية والاجتماعية العربية.
وعبثا يستطلع المرء ملامح الحركة المسرحية بمعزل عن حاضنتها الاجتماعية والثقافية، فقد امتزج حلم المسرح بأمل تحقيق الذات العربية، وغدت شواغل الوجود العربي في تطلع رجال المسرح إلى نهوض مسرحي يواكب النهوض القومي، لاسيما مساعيه الوظيفية، حيث ارتبطت قضية التأصيل بإلحاح لافت للنظر بقضية المعاصرة، وهكذا واجه المسرحيون السوريون والعرب مشكلة بناء مسرحي متكامل المصادر والطبيعة والوظيفة في أرض انقطعت عنها التقاليد منذ زمن طويل، وافتقدت صورة مسرحها التاريخي بعد ذلك، لذا أصبحت استعادة تلك الصورة القديمة في أساس إشكالية التجديد المرجو.
إن حاضر المسرح العربي اليوم هو نتاج إشكالية تاريخية ونقدية استنفرت خلال أكثر من مائة عام المجهود المسرحي في التراث العربي وتراث الإنسانية على حد سواء بقصد الإجابة عن سؤال تأصيل الظاهرة المسرحية الملحاح، ألا وهي هوية المسرح العربي.
ونظرا لأهمية المسرح في سورية، فقد وقفنا على آراء فنانين ونقاد وكتاب عاصروا تطور المسرح السوري وكانوا سفراء مسرحيين لبلدهم في الوطن العربي والعالم، وذلك في ندوة أقيمت بعنوان «المسرح السوري في السنوات العشر الأخيرة» حول العشرية الأخيرة للمسرح السوري ومعضلة الصراع بين التقاليد والتجديد في المسرح العربي المعاصر.
وقال المخرج والكاتب الناقد سامر محمد إسماعيل لـ «الأنباء»: هناك تصادم أساليب حاد شهده المسرح السوري في سنوات الحرب الأخيرة التي مرت علينا، المسرح الذي كان يرتهن لأشكاله القديمة وتكراراته المملة، خلع هذه المرة ثوب الوقار القومي ليرتدي بزته المموهة وقبعة الإخفاء الماهرة من جميع أنواع الرقابات المعهودة منها قبل الاجتماعية والقبلية، خشبة المسرح تصرخ وتئن وهي تحترق، ومع هذا سجلت مسارح سورية، لاسيما في العاصمة دمشق، عشرات العروض التي عبرت عن شجاعة واضحة ورغبة في الإشهار والصراخ في وجه الموت العمومي وغرائز التدمير الهمجية.
وعن معاناة المسارح السورية، أوضح إسماعيل: جميعنا يعلم أن المسارح السورية، خصوصا الأثرية والتاريخية منها، مثلا مسرحا بصرى وتدمر تمت السيطرة عليهما نتيجة الحرب من قبل المسلحين، وتحول مدرج تدمر التاريخي إلى منصة تمثل إعداما للبشر فوق خشبته الحجرية عوضا عن عروض مسرحية هادفة لبناء الإنسان السوري والعربي، وهذا شاهده العالم كله.
وتابع: لكن وبالعودة للمسرح القومي نجد أنه حظي بعروض نستطيع القول إنها الأغزر إنتاجيا، ولم تكوّن الرقابة الحديدية كما كان الوضع ما قبل الحرب، فلجان المشاهدة وقراءة النصوص صارت أمرا شكليا، وأصبح من الممكن تقديم أطروحات موضوعية على الخشبة بهامش مفاجئ من حيث سعته وقدرة العاملين في المسرح على أخذ الأمور حتى نهاياتها في انتقاد طرفي النزاع على حد سواء، وهذا ما قام به المسرحي والفنان العالمي غسان مسعود عن نص «لوتس مسعود» الذي عمل على تقديم هوامش جديدة، وتسمية الأشياء بمسمياتها على الرغم من الحلول الفنية المتواضعة والبنية المباشرة للنص المكتوب، إذ كان مسعود قد ركز على تناول الحرب من مقلب آخر عبر تطويع نصوص المآسي الكبرى لشكسبير في مسرحيته «عرش الدم - الأوبرا السورية» ولتكون «مكبث» باقتباس رياض عصمت عنها هي حكاية العنف والشر والطموح، واليوم نحن في تونس عرضنا مسرحية «كاستينغ» بمشاركة أوروبية- أفريقية- عربية.
وقالت الفنانة أمانة والي: المسرح بحاجة لأياد قديرة داعمة سواء من وزارة الثقافة أو نقابة الفنانين أو بقرارات حكومية، خاصة أن الموسم السياحي بحاجة إلى دعم حكومي كبير وبحاجة إلى تمويل، فالعامل الاقتصادي يحقق النجاح.
وفي مقاربة مع الدراما، أوضحت: الدراما السورية صارت أقوى عندما توافرت لها الظروف المناسبة من حيث التسويق والانتشار، كما تطرقت الى أهمية الأعمال المسرحية الكوميدية لأنها لغة العصر الوحيدة من قلب الأزمة هي «الكوميديا»، والمسرح يتأرجح بين المعافاة والمعاناة في العشرية الأخيرة من زمن الحرب السورية، والرقابة في سورية مفتوحة في المسرح بمعنى أكثر من التلفزيون.
وختمت تصريحها مستشهدة بعبارة كان يرددها المسرحي الكبير الراحل سعدالله ونوس «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل».
بدورها، كشفت الفنانة رنا جمول أن هناك عملا مسرحيا جديدا حمل عنوان «البخيل» للكاتب الفرنسي الشهير موليير، وقالت: الفنان الحقيقي هو من يثبت نفسه على خشبة المسرح، وهذا اعتبره حاجة مهمة للفنان والجمهور، وسأنطلق من نفسي أنا شخصيا لن أترك هذه الخشبة لأنني اعتبرها بمنزلة ملاذ وعلاج ووجود.
وقال الإعلامي نضال قوشحة: «أنا مضطر للدفاع عن قيثارتي أكثر من العزف عليها»، ملخصا بهذه العبارة الأدبية المقتبسة موقفه في ضرورة الدفاع عن المسرح أكثر من الحديث عن مشكلاته وهمومه التي لا تنتهي، مؤكدا أنه رغم كل شيء لم يخل المسرح السوري من التجارب الناجحة، وأوجز تفاصيل عن تجربة الفنان والمخرج أيمن زيدان في العمل المسرحي، فهو في رأيه نجح تماما في تحقيق مسافة بين المسرح الجاد والمسرح التجاري، واستطاع خلق ما يسمى «المهرج الملحمي» ضمن تصنيف محدد يلامس قضايا الجمهور المختلفة وهو «المسرح الشعبي».
أخيرا، قال جوان جان رئيس تحرير مجلة الحياة إن مديرية المسارح بدمشق والمحافظات تقدم سنويا ما يقارب الـ 40 عملا مسرحيا، ويعتقد أن تطوير القوانين الناظمة بالعمل المسرحي الرسمي يحتاج الى إعادة نظر جذرية تجاه النظرة العامة للمسرح، أي للثقافة عموما.
وعن موضوع الرقابة المسرحية، أكد جوان أنه شخصيا لا يمكن أن يوافق على نص يدعو للطائفية مثلا أو التطبيع، أو لأي شيء يمس الخطوط العريضة التي تعني المجتمع السوري، وأن أعضاء لجنة القراءات منذ عشرات السنوات يهدفون لتحسين النص المقدم إليهم.