حبيب البستاني*
يستمر الفراغ الرئاسي بمفاعيله التدميرية منذ حوالي العشرة اشهر، ويستمر معه العجز في مختلف اجهزة الدولة وكأننا كنا نعيش في حكم رئاسي، حيث رئيس الدولة ومع صلاحياته القليلة كان يمسك بكل مفاصل الدولة واجهزتها المالية والقضائية والرقابية. وبالرغم من النكد السياسي والتعطيل والحرب العشواء التي شنت على رئيس الجمهورية السابق، علماً أن هذه الحملة تندرج ضمن الحملات السياسية التي كان يشنها الزعماء السياسيون المعارضون على كل رؤساء الجمهوريات السابقين وبدون استثناء ومنذ فجر الاستقلال. وكأن الرئاسة كانت الحصرمة في أعين كل السياسيين المناوئين للعهود السابقة، سيما إذا كان الرئيس قوياً كما كان وضع الرئيس كميل شمعون الذي شُنت ضده ثورة 1958، وكما كان وضع الرئيس ميشال عون الذي اطلقت في وجهه ثورة 17 تشرين.
طابخ السم آكله
ربما فرح البعض بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، حتى أن بعضهم ومنهم رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي اعتقد أنه بإمكانه الحكم وحيداً مع شركائه واستلام صلاحيات الرئاسة بغياب الرئيس، وقد رفض حتى تشكيل حكومة ميثاقية مكتملة المواصفات لاستلام صلاحيات الرئيس طيلة فترة الشغور. ليتبين لاحقاً أن حكومة الميقاتي ليس فقط لم تتمكن من الحكم، حتى أنها لم تتمكن من الاجتماع كمجلس وزراء وذلك بالرغم من دعم الثنائي لها وبعض أهل البيت. وقد راكمت الحكومة الميقاتية العجز تلو العجز، حتى أنها ظلت متمسكة بحاكم المركزي المتهم والمدان من أكثر من مرجعية دولية، وهي مستمرة بتغطيته ومنع المحاكمة عنه وذلك بالرغم من صدور تقرير التدقيق الجنائي من ألفاريس أند مارسال، الذي فند بالوثائق والأرقام ارتكابات سلامة وفضائحه المالية على أكثر من صعيد. ولم يتوانى رئيس حكومة تصريف الأعمال من المجاهرة بالوقوف وراء أصحاب المولدات حارماً مؤسسة كهرباء لبنان من الفيول الضروري لتشغيل مولداتها ومسبباً الأضرار الفادحة على جيوب المواطنين وعدم تأمين ساعات تغذية إضافية، وذلك لعيب في الشكل باستيراد باخرة الفيول التي تبين أنها أرخص بمليون دولار من مثيلاتها.
لقد بات مسلماً به أن الدولة والحكم فيها لا تستقيم بدون رأس، وهذا الرأس يجب أن يتمتع بالقوة الضرورية لممارسة صلاحياته وفرض أسلوبه في العمل وطريقته في مقاربة المواضيع الشائكة. فصلاحيات الرئيس لا تمثل بيت القصيد بل ما يعتد به هو قوة الرئيس وهذه القوة هي قوة معنوية مستمدة من جهة من كرسي الرئاسة، ومن جهة ثانية من ضرورة وجود كتلة نيابية وازنة لدعمه ناهيك عن الحيثية الشعبية الضرورية لتثبيت حكمه.
لا أحد يملك القوة على حساب الرئاسة
أياً تكن صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي، فإنهما لا يستطيعان تمثيل لبنان في المحافل الدولية، وبالتالي لا يملكان صلاحيات التوقيع باسم الجمهورية اللبنانية، الذي وحده رئيس الجمهورية يملك ختمها وخاتمها.
وحتى رئيس المجلس النيابي فإنه قد أصبح بدون صلاحيات تذكر مع شغور رئاسة الجمهورية، ولقد أصبح الرئيس بري وبالرغم من قوته ومتانته كرئيس حركة أمل، فإنه لا يملك حتى صلاحية عقد جلسة نيابية خارج الإطار الانتخابي وذلك بالرغم من كون الدستور قد أجاز له الدعوة لجلسات تشريعية، ولكن الدعوة شيء وعقدها شيء آخر. وهكذا ومع تحول المجلس إلى هيئة ناخبة أصبح رئيسه عاطلاً عن العمل، وهو لم يستفد من الفراغ الرئاسي بل على العكس تماماً. من هنا الخطأ الجسيم الذي وقع فيه رئيس المجلس الذي كان من أولى واجباته إتمام الاستحقاق الرئاسي بدل التلهي بقشور لا طائل منها، فاصبح رئيس مجلس فخري صلاحياته تقتصر على "استقبل وودع" وعلى أخذ الصور إلى جانب رئيس الحكومة في الناقورة.
حسناً فعل رئيس المجلس بدعوته ولو متأخراً إلى الحوار الجدي لانتخاب رئيس، والذي من المفترض أن يليه عقد جلسات متتالية وصولاً إلى انتخاب الرئيس. فوحده وجود رئيس الجمهورية هو الضمانة لانتظام عمل كل المؤسسات.
كاتب سياسي*