في قضية طريفة جرت فيها العديد من المرافعات أمام محكمة عاليه، وهي ان شابا مهندسا تُيّم في حبه وعلى قلة خبرة نفسية واجتماعية وأمام براءة النساء ومكرهّن وقوتهن وضعفهن وقّع إقرارا لآنسة يتعهد فيه بالزواج منها في مدة أقصاها سنة وإذا نكث عن هذه الرغبة يدفع لها مبلغا..
فهل يمكن لهذا الإقرار من طرف واحد أن ينشئ التزامات مدنية في ذمة صاحبه؟
في الواقع الى اليوم هناك خلاف حول فكرة الإلتزام بالإرادة المنفردة في غياب نص وضعي أو شرعي محدد، فهناك من يميل الى الاعتراف بهذه الفكرة واعتبارها مصدرا للالتزام وهناك من يعارضها..
الذين يميلون يقولون ان الإرادة المنفردة يمكنها ان تكون كذلك، فكما في الوصية فالموصى له يستطيع ان يكتسب حقا عينيا متعلقا ببعض ممتلكات الموصي التي تقررها ارادته المنفردة على ان تكون مضافة الى ما بعد وفاته، طالما ان هذا نتج عن رضاه وقناعته وكامل قدراته الفعلية ويتفق مع مبدأ حرية وسلطان الإرادة المنصوص عليها في الفقه القانوني..
وامّا الذين لا يميلون، فيقولون ان الشخص ليس ملزما ان يتقيد بما أوجبه على نفسه من حق أو مال يعطيه الى آخر من دون عقد أو ترابط ذلك ان هذا النحو من الالتزامات هو من قبيل التبرع والتبرع غير ملزم حيث لا يجبر الانسان على تبرعه..
لكن السؤال الذي يتبادر الى أذهاننا في معرض هذا الخلاف أنه اذا كان من الجائز ان يصير الشخص مدينا بإرادته المنفردة وفقا لمبدأ سلطان الارادة فهل من الجائز ان يجعل الطرف الآخر دائنا او صاحب حق من دون ارادته ورغما عن أنفه؟! ولو اشترطنا عليه قبول ذلك، فنكون بذلك قد تجاوزنا مرحلة الارادة المنفردة الى مرحلة التعاقد الكامل!!!
طبعا لا..
المهم في هذه القضية حكمت المحكمة ببطلان هذا المستند واعتباره غير موجود قانونا لكن بعد العديد من الأخذ والرد..
لكن برأيي أن هذا الوعد يلزم صاحبه الذي ضرب لنفسه مدة وهي سنة لتنفيذ تعهده ما لم تصرح الحبيبة خلال هذه المدة انها لاتريده فيتحلّل هو عندها من وعده وهذا ما جاء في مجريات القضية حيث ان الحبيبة خطبت غير الشاب في مهلة السنة (وكأنها رفضت العرض، أي إيجاب من دون قبول وبالتالي لا ترابط ولا عقد) ثم عادت وتركت لتعود الى الشاب مجددا او تلزمه بالمال الذي وعدها به!!
ويبقى السؤال الأهم والذي تتجاذبه اجتهادات المحاكم بين مؤيد ومعارض ،هل الارادة المنفردة تصلح ان تكون مصدرا للالتزام وتنشئ التزاما في ذمة صاحبها؟!!
الكاتبة: المحامية د.رنا الجمل.
أمينة سر الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان.