في الوقت الذي تتفاعل فيه قضية النزوح السوري على المستوى الرسمي، في محاولة لإيجاد حل لعودة النازحين إلى ديارهم في سوريا، بعد سنوات على تواجدهم، يشهد لبنان موجة نزوح جديدة عبر المعابر غير الشرعية بين البلدين، في الشمال خصوصاً.موجة النزوح هذه وصفها مطّلعون بأنها خطيرة، خصوصًا في هذه الفترة، مع تردّي أوضاع لبنان على جميع الأصعدة. وهي أوضاع تختلف عما كانت عليه وقت اندلاع الأزمة السورية في العام 2011، ونزوح ما يزيد عن المليون ونصف المليون سوري إلى لبنان في حينه، مع تسهيلات لدخولهم من الجانب اللبناني، لاسيما في الأعوام الثلاثة الأولى على الأحداث السورية. هذا لا يعني بالطبع أن النزوح توقف في الأعوام التي تلت 2014، إلا أن النزوح بات يحصل بشكل سري، أو بما يسمّى التهريب عبر الحدود البرية، وبأعداد أقل بكثير من السابق.
لكنّ نزوح الأيام الأخيرة فرضه عاملين أساسيين: الأول، هو العامل الاقتصادي وتردّي الأوضاع المعيشية في سوريا، مع فقدان العملة المحلية لقيمتها وارتفاع الأسعار بشكل كبير، وما يجري في الداخل السوري من عودة للتظاهرات في بعض المدن على خلفيات مطلبية، واحتمال تطور الأوضاع في الأيام المقبلة إلى ما يشبه مجريات العام 2011. أما العامل الثاني، فيتمثّل في أن قسماً من هؤلاء القادمين إلى لبنان من سوريا يدخلون بهدف الهروب لاحقاً نحو أوروبا بالمراكب عبر البحر، سيما وأن هذا النوع من الهجرة قد نشط مؤخراً من لبنان، وإن أكثرية المهاجرين من السوريين. وتقول معلومات إن شهري أيلول وتشرين أول المقبلين سيشهدان مزيدًا من الرحلات كما حصل في شهري تموز وآب، وبوتيرة أسرع، في استغلال من المهرّبين لظروف الطقس الصيفي، وهدوء البحر والأمواج لتأمين انطلاقة آمنة لمراكبهم. وفي معلومات خاصة بـ"المدن"، فإن عدداً من العائلات الآتية من الداخل السوري مؤخراً تقطن حالياً بالإيجار في عدد من القرى والبلدات العكارية، في انتظار انطلاق مراكبهم في الأيام المقبلة.بيانات الجيشمعالجات الدولة اللبنانية للملف تقتصر على إجراءات الجيش على الحدود وتواصل مدير عام الأمن العام مع الجانب السوري. ولفت قبل أيام بيانٌ لقيادة الجيش- مديرية التوجيه، أعلنت فيه أنه "في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي عبر الحدود البريّة، أحبطت وحدة من الجيش، بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع المنصرم، محاولة تسلل نحو 700 سوري عند الحدود اللبنانية السورية"، وهو ارتفاع كبير مقارنة بأشهر سابقة حين كان لا يتعدى العدد الخمسين شخصاً في الأسبوع. وتقول معلومات عسكرية، أن أكثر من عشرة آلاف سوري حاولوا اجتياز الحدود تهريباً في شهر واحد.وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم وفي السياق عينه، أشار بعد لقائه وزير المهجرين عصام شرف الدين إن "وحدات الجيش تمكنت في الأسابيع الأخيرة من منع مئات السوريين من دخول لبنان عبر المعابر غير الشرعية". واستند رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على معطيات الجيش والأمن العام وعقد اجتماعاً ضم وزير المهجرين عصام شرف الدين، المدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى وخصص للبحث في موضوع النزوح السوري الجديد الى لبنان. وحسب ما صرح وزير المهجرين فإن الحديث في آلية ردع هذا الأمر بطريقة مدروسة، من مراقبة الحدود والتنسيق مع الهيئات المسؤولة في سوريا، والتعميم على مراكز الجيش والمخابرات والأمن العام، ليصار إلى التنسيق مع القائمقامين والبلديات لتحمّل مسؤولية أي شخص يستضيف أحداً من النازحين غير الشرعيين. كما تحدث عن فرض عقوبات. وهذا الموضوع قيد الدرس. وتم الاتفاق على الاتصال بسوريا أيضاً على أعلى مستوى. وبما أن الموضوع أمني، فإن اللواء البيسري يتولى إجراء هذه الاتصالات".مكافحة تهريب البشرثمة شبه إجماع محلي على أن إجراءات حكومة تصريف الأعمال في التعامل مع ملف النزوح قاصر، وأن حكومة من هذا النوع لن يكون بمقدورها فرض رؤيتها حول النزوح على الحكومة السورية، وأقصى ما يمكن فعله، ما يقوم به الأمن العام عبر الترحيل الطوعي لأعداد قليلة بالعشرات بين الفترة والأخرى، مقابل دخول المئات بشكل مستمر. ويضع وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين التلكؤ عند الجانب اللبناني. فالمطلوب حسب رأيه تشكيل وفد رسمي لزيارة سوريا يتفق على كل بنود العودة الآمنة.
أما عن إجراءات الجيش لاسيما على الحدود الشمالية فيعتبرها نائب عكار جيمي جبور منقوصة، لأن المعابر غير الشرعية كما يقول لـ"المدن": "معروفة ومعروف مشغليها ويكفي إقفال هذه المعابر وتوقيف المشغّلين بدل التركيز على محيط حاجز شدرا". ويضيف جبور "إجراءات الجيش تكون فعالة عند تسليم السوريين للسلطات السورية عبر الأمن العام اللبناني بدل تركهم عند الحدود ليعودوا ويدخلون مجدداً عبر نفس المهرِّبين، مع العلم أن القرار السياسي بهذا الشأن صدر عن المجلس الأعلى للدفاع في العام 2019 ويقضي باتّباع هذه الآلية عبر تسليمهم رسمياً الى السلطات السورية، وعلى كل القوى الأمنية الإلتزام بهذا القرار ومن ضمنهم الجيش".
مصدر عسكري شمالي يشير لـ"المدن" إلى أن الجيش يعمل بموجب القرار السياسي. إذ إن قرار الحكومة لا يسمح بسجن من يدخل خلسة، وعلى السلطة السياسية أن تجد الحل وأن يكون تعاطيها مع الجانب السياسي السوري بحسم هذا الملف. والجيش سينفذ أي قرار صادر عن السلطة السياسية اللبنانية ضمن التفويض الذي سيمنح له". وأفصح المصدر عبر "المدن" إلى أن وحدات الجيش المتمركزة على الحدود الشمالية قد أوقفت في شهر آب وحده ما يزيد عن الألفي نازح، مع مطاردة وتوقيف عشرات المهرّبين آخرها قبل أيام على حاجز شدرا.
تأتي كل هذه المستجدات في وقت يتخوّف فيه اللبنانييون من أن تفلت الحدود بالكامل، إذا ما تطورت الأوضاع الأمنية السورية بشكل أكبر، وأن تحدث موجات نزوح واسعة. وهذا الأمر لن يكون بمقدور الجيش ضبطه البتة بما يملك من إمكانات ومن دون قرار سياسي جريء وواضح. أما عن دعوة الحكومة للبلديات للعب دور في مراقبة دخول السوريين نطاقها تحت طائلة المسؤولية، فيردّ عليه رئيس بلدية عكاري بالقول: "بلدياتنا غير قادرة على جمع النفايات من شوارعها أو تأمين القهوة لضيوفها، فكيف ستراقب دخول النازحين ووجودهم في حال حصل؟".