حبيب البستاني-
عشية وصول الموفد الفرنسي جان إيف لودريان ومواكبة من الوفد القطري، تتكثف الاتصالات بين مختلف الأطراف الداخلية وتعلو معها كما العادة لغة التصريحات وما عُبر عنه من رفض للمبادرة الفرنسية بالشكل لا بالمضمون، فبعض اللبنانيين يتعلق بالشكل أكثر من الجوهر. وهم يرون في الطريقة الفرنسية لمقاربة موضوع الحوار ولا سيما الأسئلة الصريحة والمباشرة التي رافقتها، طريقة فجة خالية من الأصول الدبلوماسية. وفي المقلب الآخر يرى أكثر من مراقب أن بعض الأطراف اللبنانيين يتعاطون مع الحوار تبعاً لمبدأ "تعى ولا تجي". وهم في غنجهم هذا يراهنون على عامل الوقت وما سيحمله من قلب للمعادلات وتفجير للتفاهمات الإقليمية والدولية، وكأن العالم كله يدور حول لبنان وأن المجتمع الدولي يأتمر بمشيئة بعض الأطراف الداخليين، وهم نسوا أن الداخل اللبناني لم يكن إلا المتلقي لأحداث الخارج وليس المؤثر فيها، وهذا ما تظَهر طيلة تاريخ الانتخابات الرئاسية اللبنانية، وحده انتخاب العماد عون رئيساً جاء بطبخة لبنانية وبتفاهم لبناني.
التعددية وليس العددية
لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال وبحجة رفض الرعاية الخارجية، رفض الحوار بالمطلق، سيما وأننا نعيش في إطار ديمقراطية توافقية لا يمكن أن تكون الغلبة فيها لفريق على حساب فريق آخر. ويخطىء من يظن أن نظام انتخاب الرئيس غير جيد وغير صالح، وهذا النظام وضعه المشترع خصيصاً كي لا تقوم ثنائية أو أكثر بفرض شروطها والإتيان برئيس على ذوقها. وإن الذي يطالب بغير ذلك فهو لا يفقه شيئاً بالعلم الدستوري وبالنظام اللبناني القائم على التعددية وليس العددية.
تصوروا أن أكثرية الثلثين لتأمين انعقاد جلسات انتخاب الرئيس غير مطلوبة، وأن انتخاب الرئيس يمكن أن يكون بالأكثرية البسيطة منذ الدورة الأولى، فماذا كان سيحصل في الانتخابات الحالية؟ إن إجراء الانتخابات الرئاسية في ظل التوازنات الحالية في المجلس النيابي من خلال قانون غير المعمول به، كان يمكن أن يؤدي إلى فرض رئيس مسيحي في أحسن الأحوال على المسيحيين. فالتفهام القائم بين الثنائي الشيعي وبين رئيس حكومة تصريف الأعمال أي ممثل المكون السني بالإضافة إلى كم صوت كان يمكن الإتيان بأي رئيس، وللذين لديهم شك في هذا الكلام نقول أنظروا إلى ما جرى من تجيير إنجاز الرئيس عون، وصورة الثنائي الجديد بري – ميقاتي في طائرة الهليكوبتر هي أكبربرهان، واللذان لم يأتيا على ذكر كلمة واحدة عن الدور المحوري والرئيسي الذي لعبه فخامة رئيس الجمهورية في توقيع الاتفاق الذي بموجبه دخل لبنان إلى نادي البلدان المنتجة للغاز والنفط.
الحوار ثم الحوار
أما الذين يرتابون من تدخل الخارج في الانتخابات الرئاسية فما عليهم إلا العمل على إنتاج رئيس جمهورية "صُنع في لبنان". ومثال انتخاب الرئيس عون أكبر دليل على إمكانية حصول ذلك، فالكل مدعو إلى سلوك طريق الحوار مدخلاً للحل والذي يُعتبر الممر الإلزامي لانتخاب الرئيس، وعلى الذين يكابرون في رفض الحوار أن يتواضعوا ويعوا مصلحة لبنان في ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت. إن استمرار الفراغ والشغور الرئاسي سيؤدي إلى مزيد من القضم لصلاحيات الرئيس وبالتالي اضمحلال لصلاحيات الرئاسة.
لقد استوعب التيار الوطني الحر وحزب الله ولو بعد حين ضرورة السير في الحوار، وبدأا حواراً ثنائياً، وكما يقول المثل الفرنسي "mieux vaut tard que jamais" أي أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، وذلك بالرغم من تمترس الحزب وراء مرشح الثنائي سليمان فرنجية. لذا فالمطلوب من باقي الأفرقاء السياسيين الذهاب فوراً إلى الحوار والذهاب نحو تسوية تنتج رئيساً للجمهورية يرضي اكثرية اللبنانيين وخريطة طريق للأعوام الستة المقبلة. فلا رئيس إلا بالحوار وإن الاعتماد على الخارج فقط، قد يدخلنا في تعقيدات ومتاهات نحن في غنىً عنها.