لا يمكن الإنكار أن سلوك وسيم منصوري فاجأ شرائح عدة من اللبنانيين. فبلمحة بصر، انتقل المشهد من انتقاد لاذع تعرض له مع نواب الحاكم الآخرين لما اعتُبر تنصلهم من المسؤولية، إلى مراقبة ومن ثم إعجاب حَذِر بخطوات النائب الأول لرياض لسلامة، والذي أقدم على ما هو معاكس لسياسات سلفه، لا بل لرهانات المنظومة حتى الساعة، وتحديداً فيما يخص إقراض الدولة.
المعلومات تشير إلى اقتناع حقيقي لدى الرجل بالسياسات التي ينتهجها. مهما كان من أمر مواقفه تجاه سياسات سلامة حين كان لا يزال يمسك بالقرار المالي، فإن "القفزات" الأولى له فور تسلمه المسؤولية ومن بينها الإصرار على الشفافية ورفض تمويل الدولة، أفصحت عن نية سليمة، وكذلك عن تفكير مالي يتقاطع مع ما تنشده الإتجاهات الإصلاحية الداخلية، وكذلك مع المطالب الأساسية لصندوق النقد الدولي.
معنيون بالشؤون المالية يقولون إن الرجل “correcte”. يقول ما يجب فعله وما يتلاءم مع "بروتوكول" العلاج القاسي لسرطان البنية المالية والإقتصادية اللبنانية. يشير هؤلاء المعنيون أيضاً إلى وجود بعض الشخصيات النظيفة وذات التفكير الإصلاحي إلى جانبه، وتحديداً الخبير الإقتصادي روي بدارو، الذي تشارك مع كوكبةٍ من الملمين بالشؤون المالية والإقتصادية على اختلاف انتماءاتهم لا بل تناقضها، الأفكار الإصلاحية والجذرية تجاه الإنحراف البنيوي في النظام المالي والإقتصادي. ومن شأن هذا التشارك أن يمنح منصوري زخماً لا بأس به، خاصة في "الموجة" الأولى من "عهده".
من جوانب اللغز، هو الحدود التي ترسمها المنظومة الحاكمة، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري. هناك تمايز قد يكون صغيراً، لكنه معبّر. لا داعٍ للتشكيك بالهوية السياسية لمنصوري بحكم الإنتماء السياسي وعلاقة القرابة. لكن مهلاً. هو ليس كغيره، بحسب المعنيين أنفسهم. ومن هنا، فإنه استطاع فرض احترامه، في تشابه إلى حد كبير مع حالة الوزير غازي وزني، الذي لم توفره المنظومة من تطويقها.
غير أن الإستحقاقات القادمة، من شأنها إماطة اللثام عن لغز "شجاعة" منصوري وتجرؤه. فمن جهة تبرز لديه بحسب المتابعين، مهمة وضع منصة "بلومبرغ" للتداول الحر للعملات، ومدى تأثيرها على السوق النقدي والإستقرار الحالي للدولار. أما الجانب الثاني فيتمثل بالطلب الكبير على الدولار وتغطية نفقات الدولة وإداراتها، في الوقت الذي سيرحل فيه المغتربون الذين "أمطروا" دولارات على النمط الإستهلاكي والدورة الإقتصادية، خاصة السياحية.
ومن هنا، يتحول تاريخ 15 أيلول محكاً للشجاعة والإصرار اللذين تحلى بهما منصوري. استكمال "اللا" في وجه العاجزين عن خيارات إصلاحية جذرية، تتطلب مزيداً من المواجهة والإصرار.السؤال لا يرتبط فقط بشجاعة الموقف بل باستمرار الحماية فوق رأسه، في وقت ينبغي فيه مواجهة الحقيقة، القاسية.
الحقيقة التي تقول إنه من دون إصلاحات جذرية ووقف التبرير ووقف التكاذب والتشاطر من قبل قوى المنظومة المصرفية – السياسية المكشوفة، سيتجه لبنان إلى القعر من دون فرامل!
*رئيس تحرير tayyar.org