حتى الآن، لا يوجد أفق إيجابي لزيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان منتصف شهر أيلول المقبل الى لبنان، في ظل الانقسام الذي أحدثته الرسالة التي وجهها الى عدد من النواب بين رافض لها ومتعاون معها، ما يجعل “طاولة العمل” التي دعا إليها كواجهة للحوار بين الأطراف اللبنانية على مواصفات الرئيس العتيد غير مكتملة، وغير منتجة، و”الأمل” الذي بنيَ على الزيارة الفرنسية يتلاشى.
لا شك في أن الرفض المطلق للمعارضة وعلى رأسها حزب القوات اللبنانية لأي تعاون مع لودريان، يوحي بأنه يستند الى دعم جهة دولية تحاول الشغب على الحراك الفرنسي، ما يطرح تساؤلات حول توجه أميركي بدأ يظهر بعد طول إنكفاء يسعى الى الحد من الحضور الفرنسي في الملف اللبناني، والى لعب دور أكبر في اللجنة الخماسية، خصوصا بعد التفاهمات التي جرت في المنطقة والتي تترجم بتعميق الانفتاح السعودي ـ الايراني وما يمكن أن يحمله من تأثير ايجابي على لبنان.
اللافت، أن حزب القوات اللبنانية الذي يسعى الى تصفية الحسابات مع الادارة الفرنسية نتيجة موقفها من الاستحقاق الرئاسي والذي ينطلق من الواقعية السياسية في التعاطي مع الملف اللبناني منذ إنفجار مرفأ بيروت، والذي سبق لرئيسه سمير جعجع أن إتهم الرئيس إيمانويل ماكرون بأنه يعمل على عقد صفقة مع حزب الله للاتيان برئيس تيار المرده سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، قد وجد في الخطوة الأميركية ضالته للبناء عليها وضرب عصفورين بحجر واحد، الأول تعطيل الدور الفرنسي، والثاني قطع الطريق على فرنجية.
في غضون ذلك، بات واضحا أن القيادات اللبنانية نجحت في تصدير خلافاتها وإنقساماتها الى اللجنة الخماسية التي إنطلقت إجتماعاتها بموقف موحد حول مواصفات رئيس الجمهورية اللبنانية، والتي وجد البعض أنها لا تنطبق على أي مرشح كونها مواصفات شبه أفلاطونية، ومن ثم محاولة فرنسا تسويق سليمان فرنجية كونه برأيها الرجل الأنسب لقيادة المرحلة المقبلة، خصوصا في ظل تفاهمات المنطقة، والملفات العالقة مع سوريا لجهة ترسيم الحدود، والنازحين ووقف التهريب، والتي تحتاج الى رئيس يتمتع بثقة القيادة السورية، ومقبول عربيا وخليجيا ودوليا، فضلا عن قدرته على قيادة حوار داخلي مع مختلف الأطراف، ثم ظهور الطرح القطري لقائد الجيش العماد جوزاف عون كمرشح ثالث بين فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور الذي دخل السباق الرئاسي بتقاطع مسيحي ما لبث أن إنتهى من الجولة الأولى.
أمام هذا الاشتباك المتنامي حول الرئاسة اللبنانية، يبدو أن لا رئيس جديد للجمهورية في أفق أيلول، وأن الفراغ مرشح لأن يطول أكثر فأكثر، خصوصا أن التيارات السياسية المعنية التي تتشدق يوميا بالحرية والسيادة والاستقلال، هي من إرتضت أن تضع نفسها على لائحة الانتظار الاقليمي والدولي، وبالتالي فإن عليها أن تنتظر دورها حتى إكتمال التسوية في المنطقة والتي ربما يكون لبنان في البند الأخير على جدولها.
هذا الانتظار لا يعني بأي شكل من الأشكال إنتخاب رئيس للجمهورية لا يراعي التوازنات السياسية وموازين القوى القائمة في البلاد، وهو سيكون عبارة عن إهدار المزيد من الوقت، ما يجعل التفاهمات الداخلية التي يسعى البعض إليها من خلال الحوارات الثنائية الحل الأنسب لإتمام الاستحقاق، أو ربما التوافق السعودي ـ الايراني الذي قد يفرض نفسه على الجميع.