تتسع الهوة بين المكونات اللبنانية بشكل غير مسبوق، وذلك بفعل الخلاف السياسي وما ينتجه من إنقسام عامودي وصل بالبعض الى الاعلان صراحة عن عدم قدرته على التعايش مع المكونات الأخرى، والتهديد باللجوء الى الفيدرالية تارة والى اللامركزية الموسعة تارة أخرى، وطورا الى تغيير النظام، ما يمهد الى ضرب الوحدة الوطنية والعيش المشترك والسلم الأهلي والذهاب بالبلاد والعباد الى المجهول.
لا شك في أن سلوك بعض التيارات السياسية لا سيما المسيحية منها، بات يحتاج الى دراسة معمقة لخلفياته وأجنداته وأهدافه، خصوصا أنه في بلد منهار إقتصاديا وماليا وإجتماعيا، ويحتاج الى التكاتف والمبادرات الوطنية من أجل وضعه على طريق الانقاذ، تمتنع هذه التيارات عن إنتخاب رئيس للجمهورية وفي حال شاركت في الجلسات الانتخابية فإنها تتبنى مرشحين غير جديين ما يجعل حضورها فولكلوري أشبه بتضييع الوقت.
كما ترفض التيارات نفسها المشاركة في جلسات التشريع في مجلس النواب فتعطل نصابه وتمنع إقرار المشاريع الاصلاحية الضرورية، ثم تقف حجر عثرة في وجه الحكومة التي تحتمل ضغوطا فوق طاقتها، فتقاطع إجتماعاتها، وتنزع عنها صفة الشرعية والدستورية إلا عندما تتخذ قرارات تصب في مصلحتها، وتنتقد إصدارها للمراسيم، ثم تهاجمها لعدم قيامها بواجباتها وتطالبها بحل الأزمات القائمة.
كذلك فإن هذه التيارات ترفض الحوار سواء أتى من عين التينة أو من حارة حريك أو من اللجنة الخماسية بواسطة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان ما يؤكد إصرارها على تعطيل كل أنواع المبادرات والمعالجات.
أمام هذا الواقع، تشير المعلومات الى أن بعض هذه التيارات السياسية المسيحية باتت على قناعة بضرورة تفكيك البلد تمهيدا لانهياره بالكامل وإعادة بنائه من جديد، لأن كلفة البناء بالنسبة لها أقل بكثير من كلفة إعادة ترميمه، وهي بدأت تجسد هذه القناعة في سلوكها السياسي الرافض لكل الحلول المطروحة، فضلا عن إستهدافها مؤسسات الدولة والامعان في توتير الأجواء والتجييش الطائفي.
في المقابل، لا يختلف إثنان على أن أحدا لا يستطيع أن يلغي أي مكون لبناني، أو أن يرفض التعايش معه أو أن يلجأ الى نظام الكانتونات الطائفية التي إنتهت بإنتهاء الحرب الأهلية، وبالتالي فإن التوافق على إنتخاب رئيس للجمهورية من شأنه أن يعيد إنتظام الحياة السياسية والادارية في البلاد، ويمهد لتشكيل حكومة يُفترض بها مع الرئيس الجديد مخاطبة العالم بأسره للمساعدة على وقف الانهيار والانطلاق بمسيرة النهوض، خصوصا أن هذا العالم هو نفسه من دعا اللبنانيين الى أن “ساعدوا أنفسكم بإنتخاب رئيس جديد لكي نساعدكم”، وهذا الأمر تعمل عليه بعض التيارات السياسية التي تقدم مرشحا واضحا وصريحا تسعى الى إيصاله من دون أن تغلق أبواب الحوار الذي ترى من الأفضل أن يكون محلي الدعوة والتنظيم أفضل بكثير من أن يكون بتوجيهات خارجية قد تتحول الى إملاءات على غرار الأسئلة التي وجهها لودريان الى عدد من النواب.
تستغرب مصادر سياسية مواكبة عدم إتعاظ بعض التيارات السياسية من أخطاء الماضي ومن المغامرات الانتحارية التي دفعت ثمنها غاليا في السابق، لافتة الى أن الدخول في مغامرات جديدة سيكون لها تداعيات كارثية، وأن طريق الانقاذ واحد وهو بذل كل الجهود لانتخاب رئيس للجمهورية بمعزل عن أي إجتهاد آخر، أما طريق التعطيل فسيؤدي حتما الى الانهيار الذي لن يوفر أحدا ولن يبقي تيارا بمنأى عن الأضرار الناتجة عن سقوط الهيكل!..