منذ فترة ليس ببعيدة، يتصاعد النقاش في الأوساط السياسية اللبنانية حول الإنتخابات المكبرة. على وفرة الحديث عن الإنتخابات الرئاسية وإنهاء الشغور، فإنَّ هذه الفكرة لا زالت محور بحث وتداول، ربطاً بتداعيات الأزمة السياسية التي وصلت إلى حد انحلال مؤسسات الدولة وتمدد الشغور موقعاً بعد آخر.
لكن اللافت أنَّ هذا النقاش لم يعد مقتصراً على الدائرة القريبة من حزب الله، وإلى حدٍ ما التيار الوطني الحر، وهما المعنيان الأولان بنتائج انتخابات 2022 التي أتت ضمن السياق المعروف من الهجمة الأميركية التي وصلت إلى أوجها في مسار "17 تشرين"، وعادت للتراجع كما جَزرِ البحر بعد اتفاق الترسيم.
في دوائر وحلقات سياسية أقرب إلى توجّهات ما كان يُعرف ب"14 آذار"، لا بل أقرب إلى إعلان الإطباق الأميركي على لبنان نتيجة انضمامه إلى الدول المحورية القابضة على الغاز في شرق المتوسط، تقليبٌ لاقتراح الإنتخابات المبكرة من جوانب أخرى. تشدد هذه الأوساط على ضرورة التطلع إلى ما تسميه "تحالف الشركات" في المنطقة، انطلاقاً من الزخم السعودي في "نيوم"، وامتداد شركات "طريق الحرير"، وصولاً إلى تحالف المصالح بين "الدول المشاطئة للبحر الأحمر"، إضافةً إلى الترتيبات الإقليمية المتسارعة بين الولايات المتحدة وإيران. انطلاقاً من هذه الصورة، هناك اقتناع بولادة أو تكريس مناطق جيو استراتيجية جديدة، تجمع ما بين الإنتماءات الحضارية واستخدام المجموعات الدينية والعرقية، وما بين صراع المصالح بين القوى الكبرى، وخاصة على الغاز. من هنا تكرُّس دور لبنان في البيئة المتوسطية – الأوروبية تحت العين الساهرة الأميركية، وما يمكن أن يقود إليه هذا المشهد الجديد والراسخ، من إعادة تأسيس للدور اللبناني الذي دُمرت معظم ركائزه، لا بفعل سلوك منظومة التسعينات فحسب، بل نتيجة اتجاه دولي – إقليمي لإعادة توزيع جوانب الدور الوظيفي الذي كان يؤديه لبنان، مالياً وصحياً وتعليمياً ومصرفياً.
هذا الإتجاه لا بد أن يقود إلى ترجمة لإعادة توزيع الأحجام من ضمن "إعادة الهيكلة" لا تلك المطلوبة للمصارف فحسب، بل لصياغة النظام السياسي وأحجام القوى فيه وأدوارها. فمن ضمن سلة متكاملة لا بد أن تقود إليها ترجمة التسوية، تطول لائحة الإجراءات المطلوبة. فإلى جانب ما هو معلن من ترافق لانتخاب رئيس ووضع برنامج إصلاحات في ولايته والإتفاق على حكومة تنفذ هذه الإصلاحات المطلوبة دولياً، سيتوازى ذلك مع إجراء انتخابات مبكرة تشكل أساساً متيناً شرعياً لصورة النظام الجديد. وإذا وصل التفاوض بين التيار الوطني الحر وحزب الله إلى خواتيم إيجابية في اللامركزية والصندوق الإئتماني، نكون أمام اكتمال ل"البازل" اللبناني في ترجمته السياسية.
لكن ذلك دونه استمرار الضغوطات بآليات مختلفة. لن يتقدم أحد لإنقاذ لبنان قبل أن يصل إلى الحضيض المالي والإقتصادي وتشتد حدة أزمته. فلبنان بات يشكل صداعاً للقوى العالمية بسبب اقتصاده القائم على "الكاش"، وفي الوقت الذي لا تريد فيه المنظومة أي إصلاح يؤدي إلى إعادة هيكلة المصارف، قبل أن تقضي على ما تبقى من ودائع للبنانيين.
هذه الخلاصة تتقاطع مع تأكيدات على تسارع مسار التفاهم "على القطعة" بين أميركا وإيران على رقعة الشرق الأوسط. على الرغم من الحديث عن التوتر شرق الفرات في سوريا، لكن صدى ومعنى الإفراج عن الأموال الإيرانية وتبادل الأسرى يبقى أقوى وأكثر تأثيراً. من هنا، يتصاعد السباق بين حدة الأزمة المالية والإقتصادية مع الفشل الصارخ لمنظومة التسعينات، وبين سياق التفاهمات الإقليمية التي يؤكد العارفون أنها ستترك تأثيرها على صياغة المشهد اللبناني الجديد، و"السلة" المرافقة له، بما في ذلك الإنتخابات النيابية المبكرة...
*رئيس تحرير tayyar.org