بين خطي الإنتظارية السياسية اللبنانية التقليدية، والمبادرة ومتابعة العمل والإنجازات، يتراوح المشهد السياسي الحالي. فعلى خط الإنتظار، انشغل النواب اللبنانيون برسالة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، والتي عدا إثارتها الكثير من ردود الفعل، أتت بدلاً من ضائع الحركة الفرنسية الحقيقية التي يجزم العارفون أنها لمنع إعلان وفاة المبادرة الفرنسية سريرياً، في انتظار المسار الحقيقي في المنطقة وهو الترتيبات الأميركية – الإيرانية، والتي لم تتوقف عن التقدم. وهذا من شأنه تثبيت الفراغ الرئاسي في انتظار توضّح نهائية مسار الترتيبات الإقليمية، ولبنانياً مسار التفاوض بين التيار الوطني الحر وحزب الله، حول ركائز الصورة الجديدة للنظام السياسي، قبل إسم رئيس الجمهورية.
وعلى خط الجهد الوطني، فتح باب وصول باخرة الحفر إلى البلوك 9 الأمل لبنانياً على شق الطريق نحو تحويل لبنان دولة غازية، تمسك بأهم الموارد على شرق المتوسط. وكما التدقيق الجنائي الذي تستمر مفاعيله بالتصاعد، فإنَّ مسار الغاز ستكون له مفاعيل بالغة التأثير على الأجيال المقبلة، ولعقودٍ قادمة. على أنَّ هذا المسار كان نتيجة جهود هائلة، قادها التيار الوطني الحر عبر وزير الطاقة جبران باسيل، الذي وضع مع فريق عمله المداميك الأساسية لهذا الإنجاز، منذ أكثر من اثني عشر عاماً، في الدراسات ومشاريع القوانين والمتابعة والتفاوض وفتح باب العروض مع الشركات، في موازاة ما اقتضاه ذلك من معارك في مجلس الوزراء في وجه منظومة جاهلة لا بل متواطئة مع الخارج في تأخير امتلاك لبنان أهم الموارد والأسلحة في عالم الطاقة.
على خط آخر، عاد ملف الكحالة للبروز من خلال بوابة الإستدعاءات، لكن ضمن السياق نفسه من الإستثمار. ففي وقت أدى رئيس "التيار" جبران باسيل واجب العزاء لعائلة فادي بجاني، باشرت مخابرات الجيش استدعاء عدد من الشهود على الحادثة، ما أدى إلى إثارة ردود فعل لدى النائبين سامي ونديم الجميل، رافضين ما اعتبروه "مسّاً بأهالي الكحالة". لكن في المقابل تعتبر أوساط أمنية أن ذلك ليس استهدافاً للأهالي بل يندرج ضمن متابعة هذا الملف وصولاً لإنهائه، وذلك عبر استدعاء من كان شاهداً على هذه الحادثة من كل الأطراف، لتكوين صورة كاملة عما حدث.
وفي الخط المالي، لفت لقاء بين نائب حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري والسفير السعودي وليد البخاري، أُعلنَ على أثره أن منصوري سيتوجه إلى السعودية في الفترة المقبلة، ما يلفت إلى الأهمية الإقليمية والدولية لمتابعة ملف مصرف لبنان.
إقليمياً، تُوجت حركة وزير الخارجية الإيرانية عبد اللهيان في السعودية بلقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تؤشر إلى أن "أوتوستراد" المصالحة السعودية – الإيرانية سالك وبسرعة، حتى لو توقف عند بعض المطبات. كما أن هذا "الأوتوستراد" الإقليمي يتلاقى في هذه المشهدية مع مواصلة الترتيبات الأميركية – الإيرانية، ومن شأن كل هذه الخطوط من العلاقة التفاهمية أن ترخي بظلالها على صياغة المشهد الجديد في العالم العربي والشرق الأوسط.