بوسع الرئيس نجيب ميقاتي وأمام السعي الدؤوب من بعض التيارات السياسية الى تعطيل كل عمل مثمر في البلد، أن يقول: “أنا رئيس حكومة تصريف أعمال ولست قادرا على أن أقوم بأكثر من ذلك”، وأن يضع المعطلون أمام مسؤولياتهم وأمام غضب الناس الذين قد يصل بهم الأمر الى إقتحام منازلهم بعد النماذج السيئة التي قدموها في اللامسؤولية قرابة عام من الشغور الرئاسي.
إصرار الرئيس ميقاتي على عدم رمي كرة النار برغم الحروق التي تتسبب بها، وإلتزامه بتحمل المسؤولية الوطنية، يدفعانه قدر المستطاع الى أن يقوم بما يمليه عليه الواجب الوطني في السعي الى معالجة الأزمات وتأمين الحد الأدنى من العيش الكريم للبنانيين، وكان آخرها يوم أمس بتدخله السريع مع شركة “برايم ساوث” والتعهد بدفع جزء من مستحقاتها بقيمة 7 مليون دولار مقابل تشغيل فوري للمعامل، وقد بدأت الشركة بتشغيل المعملين وأعادت التغذية الكهربائية كما كانت في السابق، فضلا عن إقرار مجلس الوزراء سلفة بقيمة خمسة آلاف مليار ليرة لبنانية لتأمين حسن إنطلاق العام الدراسي.
هذا الالتزام بالمسؤولية الوطنية الذي يتحكم بسلوك ميقاتي منذ توليه رئاسة الحكومة، وصولا الى مرحلة الشغور الطويلة، يقابله حسابات سياسية وحزبية وطائفية، وخطاب شعبوي، ونكد سياسي، وتنافس في التعطيل، وتناقض في المواقف من الحكومة بين إنتقادها لعدم قيامها بواجباتها، ورفض إجتماعاتها بإعتبارها غير دستورية.
والأنكى من ذلك، أن البلد ينهار، والفتن تطل برؤوسها مهددة بالحرب، والناس تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، والبعض يُصرّ على الاستمرار بإثارة الغرائز وبإستحضار العصبيات وتحقيق المكاسب، وصولا الى العهر السياسي الحقيقي ما يدفع البلد نحو الارتطام الكبير الحتمي والفوضى الشاملة، لذلك فقد رفع الرئيس ميقاتي الصوت أمس عاليا محذرا مما قد تبلغه الأمور في حال بقاء الوضع على ما هو عليه من عدم إنتخاب رئيس للجمهورية، وعدم إنعقاد مجلس النواب للتشريع وإقرار القوانين الاصلاحية الضرورية، وإستهداف الحكومة.
ما يحكم المشهد السياسي في لبنان هو إنعدام المسؤولية الوطنية لدى العديد من التيارات السياسية التي تضمر عكس ما تعلن، وتضع مصالح اللبنانيين أو حقوق هذه الطائفة أو تلك واجهة لتحقيق مصالحها وطموحاتها وتعزيز نفوذها من أجل الحصول سلفا على ما يحمي وجودها، ما يطرح تساؤلات لجهة: هل هؤلاء هم جزء من الفكرة التي تدعو الى تفكيك لبنان وإعادة بنائه من جديد؟، وإلا ما معنى هذا الامعان في تعطيل إنتخاب رئيس الجمهورية، وفي رفض تشريع الضرورة في مجلس النواب، وفي فرض الحصار على الحكومة، وفي ضرب وتعطيل المؤسسات الدستورية وشل الأجهزة الإدارية في البلد، ومنعها من القيام بأي عمل يمكن أن يصب في مصلحة اللبنانيين؟، وما هو معيار الضرورة في بلد يحتاج الى إعلان حالة طوارئ لتلبية حاجات شعبه؟، ومن أين تؤمّن الرواتب والأدوية والمحروقات وإعتمادات المستشفيات وكل ما يحتاجه المواطنون؟.
هذا الواقع سيضعنا عاجلا أم آجلا أمام بلد محطم بدولة فاشلة وتحت وطأة “قانون غاب” من الصعب التعايش معه، وسوف تتداعى دول العالم إن كان لديها الوقت الكافي لإعادة بنائه، لكن مخطئ وواهم من يعتقد أنه في حال أوصل لبنان الى هذا الدرك، فإن بناءه سيكون وفقا لمصلحته أو على هواه.
لذلك، فقد دقّ الرئيس ميقاتي يوم أمس ناقوس الخطر، وتحدث بجدية مطلقة بعدما طفح الكيل من السلوك السياسي التعطيلي المدمر والمانع لكل محاولات الانقاذ، وذلك على قاعدة “اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد”!..