بين خطين متوازيين، يشق لبنان طريقه نحو مستقبل جديد قائم على ركائز قوية، مختلفة عن الصفحة التي يطويها. هي صفحة مليئة بالمآسي والجرائم في حق الشعب اللبناني، والتي استمرت إلى أن أتى ميشال عون وبدأ بطيها.
فعلى الرغم من كل العقبات والحواجز والمحاربة الشرسة للمنظومة، تحول التدقيق الجنائي إلى كرة ثلج جارفة. في كل يوم خبر عن مفاعيل هذا التدقيق، الذي منح الملاحقة القضائية لرياض سلامة وكل من يظهره التحقيق زخماً إضافياً. منذ أن صدر التقرير الأولي والمنظومة الإعلامية بلعت ألسنتها على الرغم من كل وقاحتها، في ظل تحول كل فقرة من التقرير إلى مادة للمتابعة والمساءلة والمحاسبة. وفي هذا الإطار، أتت مبادرة وزير العدل هنري خوري لتقديم إخبار بحق كل من يظهره التحقيق مرتكباً نتيجة نشر التقرير.
الأهم من الملاحقات القضائية، على دقتها وإيجابيتها، هو الحد الفاصل الذي صنعه الرئيس عون بهذا التدقيق الذي زرعه في نعش المنظومة، بين سياسة الإفلات من العقاب، وبين الروادع والمعايير التي يجب أن تحكم أي مجتمع وأي نظام سياسي، وإلا التحول إلى غابة، كما تسعى إلى ذلك الكثير من الجهات، وليس فقط المحلية.
وعلى الخط الثاني، أفصح وصول باخرة الحفر في البلوك 9 عن بشائر عصر جديد للبنان، يستند على امتلاكه ثروات غازية تضع له موقعاً في المعادلات الإستراتيجية في شرق المتوسط. ما كان ذات يوم مجرد أخبار يتناقلها الناس عن محاولات مدفونة لاكتشاف النفط والغاز في لبنان لا بل حتى ملاحقات لعلماء تكلموا عن هذا الملف، أصبح اليوم حقيقة واقعة في ظل قيادة التيار الوطني الحر لهذا الملف منذ بداياته في العام 2011، تشريعاً وإعداداً للدراسات ومن ثم تنفيذاً على أرض الواقع.
وهذا المشهد هو أبلغ تعبير عن الإنقسام الحقيقي في لبنان، بين قوى تقليدية لا تعتمد إلا السياسات الإنتظارية، وبين اتجاه سياسي يستند إلى العلم والمنطق والأهم المبادرة في اتجاه كسر الأنماط التقليدية وانتظار أوامر الخارج للتصرف بما هو حق سيادي للبنان.
إلى ذلك، وعلى الخط الإنتظاري، أثارت رسالة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان للنواب اللبنانيين والتي تضمنت أسئلة لهم، ردود فعل بين متحفظ ورافض لهذه الخطوة، فيما يعكس لامبالاة بالخطوات الفرنسية التي تعتبر بدلاً من ضائع، في انتظار توضح مسار التفاوض الأميركي – الإيراني من جهة، وتفاوض "التيار" – حزب الله، من جهة ثانية.