من المفترض أن يُستأنف الحوار بين حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بعدما قدم الأخير مطالبه المتعلقة “باللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني ومشروع بناء الدولة” على أوراق ثلاث تتضمن شروحات حولها، حيث تنكب لجنة من الحزب على قراءتها بتمعن، ليصار الى محاورة باسيل على أساسها.
لا شك في أن البنود الثلاثة تحتاج الى أطروحات لشرحها وتحديد أهدافها، وخصوصا الصندوق الائتماني الذي يتضمن كل أملاك وأموال وعقارات وثروات الدولة، والذي يعمل باسيل على سحبه من الاطار الوطني العام الى المساحة الفئوية الضيقة، وإعتباره مطلبا مسيحيا، فضلا عن إقتناع حزب الله أنه لا يملك أن يعد باسيل بتلبية هذه البنود، بل أقصى ما يمكن أن يفعله هو أن يوافق على مطالبه التي تحتاج الى إقرار في الحكومة وتشريع في مجلس النواب وموافقة أكثرية الكتل النيابية وتياراتها السياسية.
أفضل ما في الحوار الذي ما يزال في بداياته ولم يصل الى أية نتائج ملموسة حتى الآن، هو تأكيد باسيل للحزب بأن لا مانع لديه من إنتخاب سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية بشرط تلبية مطالبه، علما أن باسيل لجأ الى الحوار بعدما أدرك إرتفاع حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي تشير المعلومات الى أنه بات يشكل تقاطعا في اللجنة الخماسية المهتمة بالشأن اللبناني، لذلك فإن تبدّل موقف باسيل من فرنجية ليس حبا به وليس إرضاء لحزب الله بل لتجنب تجرع كأس قائد الجيش، مع عرقلة إنتخاب زعيم المردة بطرح الشروط الفضفاضة التي تحتاج الى منجم مغربي ليفك طلاسمها المعقدة.
وكان الحوار خفف من حدة التخاطب على مواقع التواصل الاجتماعي بين أنصار الحزب وأنصار التيار، لكن هذه الحدة ما لبثت أن عادت على خلفية حادثة الكحالة التي يرى مراقبون أن باسيل كان يُفترض به أن يتعاطى معها بسلوك مختلف وأن يجسد تفاهم مار مخايل لجهة الدفاع عن المقاومة وسلاحها ومنع إنزلاق الأمور في الكحالة الى ما وصلت إليه، لكن باسيل آثر التغريد خارج التفاهم والجنوح نحو إستمالة الشارع المسيحي وممارسة الشعبوية والتحريض، على عكس الرئيس ميشال عون الذي يبدو أنه ترك وحيدا فلم يستمع الباسيليون الى اللغة الهادئة والحكيمة التي تحدث بها.
أمام هذا الواقع، ثمة خشية حقيقية من لجوء باسيل الى شراء الوقت، خصوصا أنه لم يعد يمتلك سوى التعطيل بعد عودة القصف الكلامي بينه وبين القوات والكتائب والتغييريين وسقوط التقاطع على جهاد أزعور الى غير رجعة، وإعلان أركانه أنهم لا يثقون بباسيل الذي يبيع ويشتري، ويسعى الى الابتزاز لتحقيق مكاسب على ظهر رئاسة الجمهورية.
يمكن القول، إن الحوار بين حزب الله وبين باسيل يقوم على “زغل”، خصوصا أن الأخير يحتاج الى كثير من الجهد لاعادة بناء الثقة التي كانت قائمة، ورغم ذلك، فإن الحزب لا يمانع من الذهاب الى النهاية في محاولة للوصول الى النتائج الايجابية المرجوة والاستفادة من كسر باسيل لاءات إنتخاب فرنجية، من دون إهمال فرضية مماطلة باسيل تارة بالشروط وتارة بالحوار وتارة بإختلاق الأعذار، وطورا بالنكد السياسي، وذلك لإطالة أمد الشغور، وصولا الى إنتهاء ولاية قائد الجيش في 10 كانون الثاني 2024، ما سيؤدي حتما الى تراجع حظوظه الرئاسية، وبالتزامن يتراجع باسيل عن تأييد فرنجية، حتى لو إلتزم الحزب بشروطه، ويستغل ذلك ليطرح نفسه مرشحا مقابل فرنجية بهدف إحراج الحزب الذي تشير المعلومات الى أنه يتعاطى مع رئيس التيار بحذر ويأخذ كل السيناريوهات على محمل الجد!..