لا يزال تقرير التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان الذي اعدته شركة “ألفاريز ومارشال” يتصدر المشهدين السياسي والاقتصادي على الساحة اللبنانية. فعلى امتداد 332 صفحة يفنّد الخبراء تداعيات الهندسات المالية التي قام بها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة والتي بلغت كلفتها بين الاعوام 2015 و2020 “115 تريليون” ليرة لبنانية اي ما يعادل 76 مليار دولار اميركي بحسب سعر الصرف الرسمي المتداول آنذاك اي 1507ليرة لبنانية.
وفي السياق، فقد خلص التقرير الى وجود سوء إدارة وشوائب طغت على طريقة عمل المصرف المركزي في السنوات الاخيرة. وبمقارنة الارقام التي تسلمها المدققون يتبين ان مصرف لبنان سجّل فائضاً في العملات الاجنبية وصل الى 2.7 مليار دولار عام 2015، غير انه انقلب الى عجز بقيمة 7.50 مليار دولار نهاية 2020. في وقت بلغت فيه قيمة القروض التي منحها البنك المركزي لشركات واشخاص 15 ترليون ليرة.
وبحسب التقرير ايضاً، فقد تدهور الوضع المالي لمصرف لبنان بسرعة كبيرة في الفترة الممتدة من 2015 الى 2020، من دون ان يتم الاعلان عنه في الميزانية العمومية للمصرف المعروضة في بياناته المالية السنوية، والتي تم إعدادها باستخدام سياسات محاسبية “غير تقليدية”، والتي تضمنت:
– تأجيل أكلاف الفوائد لزيادة الربحية في البيانات المالية بشكل وهمي.
– خلق حسابات لأرباح سكّ العملة لتغطية الخسائر التي تمّ تأجيلها، أيضاً بهدف زيادة الربحية.
– تضخيم قيمة سندات الدين الحكومية من خلال عدم احتساب التراجع في قيمتها.
– تسجيل ارتفاعات او انخفاضات غير محقّقة في حساب الذهب في الميزانية، وهو ما تسبّب في تضخيم او تقليل قيمة أصول ورأس مال المصرف.
– مقاصّة مطلوبات وزارة المالية على مصرف لبنان بالدولار الأميركي، مقابل ودائع الخزينة، والتي انعكست انخفاضاً في قيمة الموجودات والمطلوبات في ميزانية المصرف.
– مقاصّة القروض والودائع المصرفية بموجب عقود أدّت إلى تقليل قيمة الموجودات والمطلوبات.
الى ذلك، وجه تقرير “ألفاريز ومارشال” انتقادات لاذعة الى الحاكم السابق للمصرف رياض سلامة حول عمله اضافة الى دوره الرئيسي في “صنع القرار”، فاعتبر انه مارس سلطة غير خاضعة للرقابة إلى حد كبير، كما افتقد عمل المصرف بشكل عام الى الحوكمة وتدابير ادارة المخاطر.
وبحسب الكاتب الاقتصاد منير يونس، فإن “مخالفات كبيرة في الهندسات المالية كشف عنها التقرير، تحتاج الى تدقيق جنائي ثانٍ لمعرفة من المستفيد منها. على ان يكون هذا التدقيق بين المصرف المركزي والمصارف اللبنانية، فهذه الاموال التي هُدرت هي من اموال المودعين”. ويغمز يونس من قناة ان التقرير يشير الى ان مصرف لبنان لم يزود الشركة بكل المعلومات المطلوبة ويعتبر انه من “الضروري ضم التقرير الى ملف التحقيقات مع حاكم المركزي سواء محلياً او اوروبياً، وعلى قضاة التحقيق الاستعانة به لطرح المزيد من الاسئلة وتحديد من استفاد على حساب المال العام من جهة والمودعين من جهة اخرى”.
اذاً، هو تموضع الدولة في القعر كشفه تقرير “ألفاريز ومارشال”، الذي ادان بالارقام من تعاقب على السلطة، ليظهر ان اهل الحكم تواطؤوا ضد الشعب لاجل مصالحهم الخاصة. فهل يكون تقرير التدقيق الجنائي مفتاحاً لبدء المحاسبة الفعلية في الدولة انصافاً للناس الذي خسروا “جنى اعمارهم” ام ان ما “فات قد مات”؟