تُعتبر الأمراض التي تصيب القلب والأوعية الدموية هي السبب الرئيس للوفيات على مستوى العالم. لذا، فإن أي شيء يساعد في تقليل الوفيات بسببها هو مدعاة للاحتفال، سواء كان تأثيره متواضعاً أو كبيراً. وهذا بالفعل ما يحدث حالياً مع إثبات عقار "سيماغلوتايد semaglutide" للسكري وإنقاص الوزن، قدرته على تخفيف الوفيات والنوبات القلبية والسكتات الدماغية بنسبة 20 في المئة.تجربة ضخمةالتفاصيل الجديدة عن العقار نشرتها شركة الأدوية الدنماركية "نوفو نورديسك Novo Nordisk" التي تُعدّ الأولى عالمياً في مجال الأنسولين، بعد أن انتهت من مراجعة نتائج تجربة "SELECT" السريرية، التي أعقبت تناول 18 ألف بالغ للعقار لمدة تصل إلى خمس سنوات.
وشملت التجربة البالغين الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، ومن هم بعمر 45 عاماً أو أكثر، والذين يعانون من "مرض قلبي وعائي مؤكد" (والذي يشمل الأشخاص الذين عانوا من ألم في الصدر بسبب انسداد الأوعية الدموية في القلب، أو لديهم دليل آخر على انسداد الأوعية الدموية).
وحسب الأطباء المشرفين على التجربة، فقد صُممت الدراسة الأخيرة للنظر في الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، والذين على الرغم من عدم إصابتهم بمرض السكري، لا يزال لديهم خطر أعلى من المتوسط للإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية أو أي حدث قلبي وعائي خطير آخر."رقم مبهر"ما أظهرته التجربة كان مذهلاً بحق، فمقارنةً بالدواء الوهمي الذي تناوله المشاركون في التجربة، قللّ "سيماغلوتايد" من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية الخطيرة بنسبة 20 في المئة. وبينما أثبتت تجارب سريرية سابقة قدرة بعض أدوية الكوليسترول على تخفيف الأزمات القلبية، إلاّ أنها لم تقترب من نسبة النجاح التي أثبتها "سيماغلوتايد".
وعن نتائج التجربة، يقول جوزيف سي وو، مدير معهد "ستانفورد للقلب والأوعية الدموية" ورئيس جمعية القلب الأميركية:"عشرون في المئة هو رقمٌ مبهر، إنها نسبة نجاح كبيرة في عالم أمراض القلب".
من جهته، قال جيمس جانوزي، طبيب القلب والباحث البارز في مستشفى "ماساتشوستس العام" في بوسطن، معلقاً على الدراسة "الناس متحمسون للغاية للعقار. فعلى الرغم من أننا تمكّنا من إبطاء موجة أمراض القلب في السنوات العشرين الماضية، إلاّ أن الكثير من هذه المكاسب بدأت تضيع بسبب ارتفاع معدلات السمنة ومرض السكري".كيف يعمل العقار؟ليس من الواضح حتى الآن للمجتمع الطبي كيفية عمل "سيماغلوتايد" للحدّ من مخاطر الإصابة بأمراض القلب. إذ لم تنشر الشركة المصنّعة حتى تاريخ كتابة هذه السطور كيف يقللّ العقار من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
بعض التحليلات الطبية تفيد بأن فقدان الوزن الناجم عن العقار هو الذي يساعد الناس. وهذا ما يذهب إليه جيمس جانوزي بقوله "السمنة بحد ذاتها مصحوبة بعدد من التشوهات الأيضية التي تهيئ المرء لمشاكل القلب والأوعية الدموية. يعني ذلك أنه بغض النظر عن الكيفية التي يحدث بها، سواء كانت ناتجة عن "سيماغلوتايد" أم لا، فإن فقدان الوزن بحد ذاته يقللّ من مخاطر الإصابة بأمراض القلب".
ولكن هناك احتمالٌ قوي بأن يقدم "سيماغلوتايد" فوائد وقائية تتجاوز فقدان الوزن المرتبط بتناوله. يشرحها جوزيف سي وو قائلاً "حدسي هو أنه إلى جانب فقدان الوزن، من المحتمل أن يكون لهذا العقار بعض الآثار المفيدة الأخرى، مثل مكافحة الالتهاب واللويحات، وهي رواسب دهنية على جدران الأوعية الدموية تزيد بشكلٍ كبير من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية".
العرض والمنافسة والسعروبصرف النظر عن هذه الأسئلة الطبية، ستكون هناك بعض العقبات التي يجب التغلب عليها قبل أن يتوفر العقار لكل من يريد الاستفادة منه. إذ لا تزال هناك بعض القيود للوصول إليه بسبب التغطية التأمينية المنخفضة والنقص الناجم عن مشكلات التصنيع ومشاكل سلسلة التوريد.
أما بالنسبة لسعر العقار، فيتوقع الأطباء أن يكون هناك الكثير من الاهتمام لزيادة المعروض منه، ولجوء شركات أدوية أخرى لابتكار أنواع مماثلة، ما يسهم في خفض سعر "سيماغلوتايد" والعقاقير المماثلة.
في المحصلة، يجمع المجتمع الطبي على أن النتائج المتعلقة بإمكانيات "سيماغلوتايد" كانت صادمة وفاجأت الجميع. فهناك إنجازاتٌ طبية تحدث مرة كل 10 سنوات أو نحو ذلك، وهذا العقار أحدها.