لملمَ لبنان والكحالة جراحهما بعد دفن فادي البجاني اليوم وأحمد القصاص بالأمس... استقبلت البلدة التي قدمت الشهداء في تاريخها إبنها البجاني في وداعه الأخير وسط حضور سياسي وشعبي كبير، في الوقت الذي منحت فيه عظة المطران بولس عبد الساتر الغطاء الديني والروحي للجنوح نحو السلم والحوار ووضع الحوادث في يد الأجهزة الرسمية وفي طليعتها القضاء، وذلك بتأكيد رفض الفتن بين أبناء لبنان ونبذ التعصب والأحقاد، في موازاة الدعوة للإمتناع للجوء إلى السلاح والإحتكام للدولة. كلام عبد الساتر ناقض الإستثمار السياسي الكبير والتحريض الذي سعت إليه قوى سياسية لا تعيش إلا على التحريض واستثمار الدماء والنفخ في العصبيات، من دون أن يعنيَ ذلك بأي شكل من الأشكال التخلي عن الثوابت الوطنية بوضع كل سلاح تحت إطار الإستراتيجية الدفاعية التي وحدها تشكل المظلة الوطنية للمقاومة، على ما ذكّر به أمس رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل. في الموازاة، لاقت دعوة الرئيس ميشال عون للتهدئة والإتعاظ من دروس الحروب العبثية صدى إيجابياً في الوسط اللبناني على اختلافاته السياسية، وهذا ما عكسه تصريح رئيس تحرير صحيفة "اللواء" صلاح سلام للأو. تي. في.
دفنَ لبنان ضحايا الإقتتال الداخلي وسط سعي لتطويق الإحتقان، من دون أن يحجبَ ذلك الأسئلة الكبرى عن الغد. ذلك أنَّ وسائل التواصل الإجتماعي نضحتْ بالكثير من الكره والحقد واسترجاع ذاكرة الحرب، ما يؤشر إلى معضلة حقيقية في استمرار أجواء الحرب وانقساماتها بشكل أو بآخر. وهذا ما يلقي بثقله على كل الأجندات السياسية للقوى الحزبية، أقلّه تلك التي اتّعظت من تجارب الحرب وتسعى لبناء طرق مختلفة عن الإقتتال الداخلي المقفل الأفق سوى الدم. يتقاطع ذلك مع أجواء إقليمية ملبدة في ظل مساعٍ أميركية لقطع طريق دمشق – طهران – بيروت عبر الحدود السورية – العراقية، لكن المفارقة أن "الترتيبات بالقطعة" لا تزال مستمرة بين واشنطن وطهران، ذلك أن إيران ستطلق سراح 5 أميركيين في مقابل إطلاق سراح 5 إيرانيين مسجونين في الولايات المتحدة، إلى جانب رفع التجميد عن نحو 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية. وهذا بحد ذاته مؤشر كافٍ للتطورات الإقليمية ومفارقات العلاقات والصراعات في المشرق والخليج.
وعلى الخط الداخلي، خرج تقرير التدقيق الجنائي ليكشف فضائح رياض سلامة في تمويل المقربين منه والجمعيات والأوساط التي أغرقها بالأموال من جيب اللبنانيين، ثمناً لصناعة صورته التي خدع من خلالها اللبنانيين ورسّخ عبرها حكم المنظومة المصرفية – السياسية طوال عقود. وفي الوقت الذي شنت فيه الدعاية السياسية والإعلامية الهجمات على مدى أعوامٍ ثلاثة على الرئيس العماد ميشال عون، ظهر بالعيان وبالملموس أن هذا الرئيس هو من زرعَ أقوى مسمار في نعش هذه المنظومة بقيادته للتدقيق الجنائي، الذي وحده حفظَ حق اللبنانيين، وعلى اختلاف انتماءاتهم، في مالهم العام وبكشف حقيقة ارتكاب الجرائم المالية والإقتصادية.
أما صورة الدولة المتحللة، فعكسها اليوم توقف بث تلفزيون لبنان، في ظاهرة مفارقة في تاريخ هذا التلفزيون العريق الذي يعبّر عن المساحة الإعلامية المشتركة بين اللبنانيين من خلال الدولة، وكأن الهاوية التي يعيشها لبنان تأبى أن تترك مجالاً للتنفس من دون خنقه، عبر الفشل في إيجاد الموارد التمويلية اللازمة، والبسيطة ليبقى هذا الصرح على قيد الحياة.