من بين المواقف الكثيرة التي حفلت بها السّاعات التي تلت حادثة كوع الكحالة في منطقة عالية، وهي مواقف ملأت وسائل الإعلام ومنصّات وسائل التواصل الإجتماعي، كان الموقف الذي أدلى به النائب جميل السيّد الذي خرج به بعيداً عن أطر السجالات الضيّقة، وذهب به نحو أفق أوسع، محذّراً ومنبّهاً وقارعاً ناقوس الخطر.
موقف النائب السيّد تضمن ثلاث نقاط هي:
أولاً: دعا النّائب السيّد المواطنين اللبنانيين، ذكوراً وإناثاً، خصوصاً من هم فوق سنّ الستّين، من باب الواجب عليهم اليوم قبل أيّ أمر آخر، أن يخبروا أبناءهم وأحفادهم من أصحاب الرؤوس الحامية أن الإنجرار إلى الحرب الأهلية والفتنة ليس نزهة، بل ثمنه باهظ عليهم وعلى مستقبلهم والبلاد.
نصيحة السيّد ليست نابعة من فراغ، فهو خبر وعايش الحرب الأهلية 1975 ـ 1990، ويدرك أنّ أيّ إنزلاق إلى حرب أهلية جديدة سيقضي على ما تبقى من البلاد، ويذهب بها إلى المجهول، ما يعني أنّ جيلاً جديداً من اللبنانيين سيكون ضحية حرب عبثية من جديد، لأنّ الجيل القديم لم ينصح الجيل الجديد، ولأنّ الجيل الجديد لم يتعلم أو يأخذ العبر من الجيل القديم.
ثانياً: نبّه السيد المواطنين من السير وراء السياسيين بشكل أعمى وعصبية، متهماً السياسيين بأنّهم “يقودون المواطنين كالغنم إلى المسلخ ثم يسمّونهم شهداء”، وهو أمر ظهر بوضوح في ردود الفعل على حادثة الكحالة، وفي حوادث أخرى مشابهة، حيث بدا معظم النوّاب والسّياسيين في موقف لا يقيمون فيه أيّ اعتبار للتحريض الطائفي الذي يقومون به، ولما يمكن أن يؤدّي إليه من تأجيج طائفي وتوتر سياسي، ما دفع السيّد إلى اتهام السّياسيين الذي يحملون راية التحريض بأنّ “معظمهم طائفيون وتُجّار دمّ، يحرضون المواطنين على بعضهم، بينما يتحاورون ويتصالحون في المجلس النيابي والحكومات والتعيينات والحصص والسمسرات”.
هذا الوصف الذي أطلقه السيّد على السّياسيين والنوّاب، أغلبهم على الأقل، ليس جديداً، فمن يستعيد مواقف النوّاب والسّياسيين وقادة الأحزاب قبل وخلال الحرب الأهلية وبعد ذلك، وفترات التوتر السّياسي والأمني خلال السّنوات اللاحقة، يخرج بالإنطباع ذاته، فما أشبه اليوم بالبارحة.
ثالثاً: عندما يدعو النّائب السيّد إلى الوعي، مردّداً هذه الكلمة 3 مرّات، فإنّه يحاول أن يكون صوتاً عاقلاً، مع قلّة من النوّاب والمسؤولين الذين بدوا وكأنّهم يغرّدون خارج سرب موجة الجنون من المواقف التحريضية إنطلاقاً من أنّ الوعي وحده يمكنه إحتواء تداعيات الحادثة ومعالجة تداعياتها، إذ من غير الوعي والتعقل فإنّ الكلّ ذاهب، ومعهم البلاد نحو المجهول. من هنا كانت دعوة النائب السيّد الجميع أن يتركوا الجيش اللبناني يقوم بواجبه في هذه الحادثة، كونّهم يقدّرون دور المؤسسة العسكرية، وبأنّها الوحيدة الجهة الضامنة لاستقرار لبنان، ومن دونها فإنّ الهيكل سيسقط فوق رؤوس الجميع.