وكأن التحذيرات الدبلوماسية كانت مستندة إلى وقائع أو معلومات أمنية، في ظل ما انقلب إليه المشهد اللبناني بالأمس، متواصلاً اليوم في فصولٍ بين الحقيقة والشائعات. وقد شاءت الصدفة، واستثمارها لاحقاً، إلى أن يعود "كوع الكحالة" الشهير إلى الواجهة، لكن اليوم بين فئات من الوطن الواحد، وليس كما كان عليه الحال في 1969 والسبعينات حين كانت المواجهة بين اللبنانيين والمنظمات الفلسطينية المسلحة. وبطبيعة الحال في حوادث مماثلة، غابت الحقيقة الكاملة عما حصل من إطلاق نار بالأمس بالكحالة، وأدى إلى سقوط أحد أبنائها، وعنصر من حزب الله يرافق الشاحنة التي انزلقت ما أدى إلى استنفار الوسائل الإعلامية المعروفة التوجه، ومن ثم مواطنين من الكحالة.
ذلك أنه على الرغم من الفيديوهات المتداولة من الأطراف كافة، لم يُعرَف بعد في شكل جازم من أطلق الرصاصة الأولى ما أدى إلى تطور التضارب ورمي الحجارة إلى تبادلٍ لإطلاق النار. بيان قيادة الجيش كان مقتضباً ولم يدخل في التفاصيل. الحقيقة الثابتة، أن حدث الكحالة تحول إلى حدث استثماري لبعض الفئات السياسية من جهة، وإلى توترٍ لدى مناصري حزب الله. وفي وقتٍ تعمَّد بعض نواب "القوات" توجيه السهام نحو التيار الوطني الحر كالعادة، أكَّد "التيار" مواقفه الواضحة بوقوفه إلى جانب أهالي الكحالة في مصابهم الأليم. فالنائب سيزار أبي خليل أكد منذ ليل أمس ضرورة تحقيق العدالة وكشف الحقيقة عبر أجهزة الدولة، في الوقت الذي كان فيه زميله النائب سليم عون يعلن التضامن مع الكحالة، ويدعو إلى عدم الإنزلاق نحو الفتنة. وقد سارعت لجنة الإعلام في "التيار إلى التضامن مع الكحالة وتأكيد الثقة بأجهزتة الدولة، كما رفضت أي إستغلال مشددة على "أن أي فتنة هي بمثابة انتحار جماعي". أما رئيس "التيار" الوزير جبران باسيل فاستحضر في تغريدة له "كوع الكحالة" كرمز "للصمود والعنفوان"، فاتحاً في دلالات حادثة الكحالة النقاش في ضرورة وضع الإستراتيجية الدفاعية كعامل حماية وطني للمقاومة وتنظيم للسلاح، ومشيراً بوضوح إلى أن وحدة الصف الشيعي لا تكفي لحماية المقاومة من دون إيجاد حماية وطنية.
المشهد الأمني استتبع اليوم بنشر أحد المواقع خبراً عن "محاولة اغتيال" لوزير الدفاع موريس سليم بتعرض سيارته لإطلاق نار في جسر الباشا - الحازمية، وقد تداولت وسائل الإعلام هذا الخبر وسط انتشار شائعات كثيفة عن الموضوع، إلى أن أظهرت الصور إصابة سيارته برصاصة واحدة، في الوقت الذي كان فيه الرصاص يشتعل من تشييع عنصر حزب الله أحمد قصاص في روضة الشهيدين.
هذا وقد كان الكلام الصادر عن شقيق قصاص في خلال التشييع، حريصاً على التمسك بالعلاقات الإسلامية – المسيحية وتطويق الفتنة، وبالتوازي أصدرت عائلة فادي البجاني بياناً نبهت فيه من إطلاق الرصاص كما دعت وسائل الإعلام إلى نشر أي معلومات من دون الرجوع إليها.
وفي وقت انشغلَ اللبنانيون بالتوتر الأمني والشائعات، توجّهت الأنظار إلى العقوبات الدولية التي فرضت من كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا على رياض سلامة وحاشيته المتورطة في الإرتكابات، وأتى هذا الإجراء بعدما اتخذت رئيسة هيئة القضايا هيلانة اسكندر إجراءً ضد القاضي شربل بو سمرا، ما أدى إلى وقف جلسة استجواب سلامة اليوم. وهذه العقوبات تؤكد أن سلامة سبقى ملاحقاً دولياً وفقد الغطاء السابق له، ما يحوله إلى مُطارَد من العدالة وفشل كل محاولات تبييض صفحته مع شركائه من المنظومة المصرفية – السياسية.