منذ بداية الحرب السّوريّة وتوافد اللاجئين السّوريين إلى لبنان، ومسألة تعليم الأطفال اللاجئين في المدارس الرسميّة اللبنانيّة، تُثير اهتمام المجتمع الدوليّ والمنظمات الحقوقيّة والإنسانيّة. هذه الجهات التّي لم تتلكأ منذ بداية الحرب للآن، عن تقديم الدعم المالي والمساعدات للاجئين ودول اللجوء، بل وعملت جاهدةً على دراسة واكتشاف حلول تُمكّن أكبر عدد من الطلاب اللاجئين من الالتحاق بالمدارس وضمان حقّهم في التّعليم الجديّ. لم يتحمّل لبنان الرسميّ أي مسؤوليّة في السّياق، ولم يوقّع أي اتفاقيّة تتعلق بحقّ اللجوء، مستفيدًا فقط من "حنفية" الدعم الدوليّ، ومُقدمًا نفسه على أنه مضيف لما سُميّ "بالنازحين السّوريين" لا اللاجئين.
اليوم وفي ظلّ التّصاعد المُطرّد لخطاب الكراهيّة والتّمييز السّياسيّ والاجتماعيّ، والذي جاء كردّة فعل على المساءلة الدوليّة المُتعلقة بواقع اللاجئين في لبنان والمساعدات المنهوبة، وغياب الخطط التّنظيميّة للتعامل مع اللاجئين، طُرح ملف "دمج اللاجئين السّوريين مع الطلبة اللبنانيين" مُجدّدًا.
"خطر على الهوية"في هذا السياق، عقدت الحملة الوطنيّة "لإعادة النازحين السّوريين" مؤتمرًا مُشتركًا مع "جمعية أصدقاء المدرسة الرسمية في المتن" وجمعية "أصدقاء المدرسة الرسمية في جبيل"، بعنوان "لا لدمج تلاميذ النازحين السوريين بالتلاميذ اللبنانيين". واعتبر المنسق العام للحملة النقيب مارون الخولي أن السفارات الاوروبية والمنظمات الدولية المانحة تواصل ممارسة الضغوط على الحكومة اللبنانية ووزارة التربية والتعليم العالي بهدف إلغاء دوام بعد الظهر لتعليم تلاميذ النازحين السوريين ودمجهم مع التلاميذ اللبنانيين في دوام قبل الظهر من دون ان تهتم هذه الجهات الى تعدد مخاطر الدمج . وتحصل هذه الضغوط بغياب اي خطة لمواجهتها من الحكومة او المجتمع الاهلي لا بل بتسليم كلي لها بحيث تكبد الشعب اللبناني منذ 11 سنة اكثر من مليار و500 مليون دولار على قطاع التربية لتأمين تعليم طلاب النازحين السوريين على حساب مصلحة وجودة التعليم للطلاب اللبنانيين".
ويعتبر الخولي "أن هدف الدول المانحة ليس إنسانيًا بقدر ما هو سياسيّ ونابع من تخوف الدول الأوروبيّة من موجات هجرة غير شرعيّة إلى أراضيها؛ كما أن الدمج يُمثل خطورة على المجتمع اللبنانيّ عل اعتبار أنه جزء من عملية التوطين، الذي من شأنه "تمزيق هوية لبنان". داعيًا حكومة تصريف الاعمال إلى "إعلان واضح عن رفضها لخطة الدمج وبوقف النزيف المالي في قطاع التربية على غير المستحقين له ومطالبة الدول الاوروبية بالتعويض عن استخدام المباني المدرسيّة الرسميّة وتجهيزاتها لمدة تزيد على 11 سنة ومطالبة الحريصين على ابقاء النازحين السوريين الى فتح مدارس موقتة لهم لحين عودتهم والاقلاع عن استعمال مباني المدرسة الرسمية خصوصا في ظل الازمة الاقتصادية والمالية والتي يحتاج فيها اللبنانيون الى دعم المدرسة الرسمية لتعليم أولادهم".
بدورها طلبت رئيسة جمعية أصدقاء المدرسة الرسمية في المتن راغدة كاوركيان يشوعي من الحكومة اللبنانية "فرض بدل مالي تدفعه الدول المانحة لوزارة التربية، بدل استعمال المباني المدرسية الرسمية حيث يدرس التلاميذ السوريّون، ما يساهم بدعم هذه المدرسة، على أن تتمّ العملية بكل شفافية ووضوح". وتشدد على "الرفض المطلق لعملية دمج التلاميذ السوريين بالتلاميذ اللبنانيين، وضرورة اعلان مجلس الوزراء ومجلس النواب اللبنانيّين مواقف واضحة في هذا الشأن".
ملف "دمج اللاجئين"
منذ ما قبل الأزمة وحتى الوقت الحالي، يواجه الطلاب اللاجئون المسجلون في المدارس الرسمية في لبنان تحديات كبيرة تعوق مسار تعليمهم. إذ تضاف إلى ظروف العيش الصعبة في المخيمات والمساكن غير اللائقة، ظروف اقتصادية واجتماعية وصحية قاسية، ومشكلات تقنية وإدارية تعوق تسجيلهم في هذه المدارس. وفي السنوات الثلاث الماضية تفاقمت هذه التحديات وأصبحت أكثر تعقيدًا، وقد تسببت في تراجع عدد كبير من الطلاب اللاجئين عن الالتحاق بالمدارس، بداعي الواقع الصعب الذي يعيشونه وعدم قدرتهم على متابعة تعليمهم. وفي إحصاء أخير نشرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين السوريين في لبنان في بداية العام السّابق، تبين أن نسبة الطلاب المسجلين في المدارس اللبنانية تبلغ حوالي 51.80% من إجمالي الطلاب المسجلين لديهم، بينما نسبة الذين لم يلتحقوا بالمدارس تقارب 48.20%. وتشير هذه الأرقام إلى وجود تدنٍ في معدلات الالتحاق بالمدارس بين الطلاب اللاجئين. (راجع "المدن")
وبالرغم من غياب إحصاءات رسمية لهذا العام من قبل وزارة التربية والتعليم العالي، والتي امتنعت عن الإفصاح عن هذه المعلومات، وتساؤلات حول دقة إحصاءاتها المتضخمة لضمان حصولها على دعم أكبر، وعدم توفر أي إحصائيات من مؤسسات مشاركة مثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين واليونيسف، تظل هناك احتمالية كبيرة لوجود نسبة ملحوظة من الطلاب اللاجئين الذين انقطعوا عن متابعة تعليمهم.
وقد ذكر تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس واتش "Human Rights Watch " في السّنة الماضية إلى أن المانحين الدوليين يدفعون للبنان مبلغاً محدداً لكل طفل سوري لاجئ مسجل في المدرسة. وبلغت ميزانية الإنقاذ من أجل تمويل قطاع التعليم العام للعام الماضي (ضمن خطة لبنان للاستجابة للأزمة) ما يتجاوز 400 مليون دولار أميركي، التّي عملت على تمويل وتنفيذ خطط المنظمات المعنية بتعليم اللاجئين، كالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين السوريين في لبنان، واليونيسف ووزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية. وتعمل هذه المنظمات إلى جانب حوالي 55 منظمة أخرى ممولة، لضمان حق التعليم للاجئين بأقلّ أعباء على الحكومة اللبنانية.
الدمج كشرط التمويل؟إلى جانب الصعوبات القانونية والإدارية التي تُعيق تسجيل الطلاب السوريين في المدارس الرسمية المتهاوية بالفعل، والتي يتحمل مسؤوليتها فساد المعنيين والذين استغلوا "مصدر الدعم الدولي" لتكديس الثروات غير القانونية. (راجع "المدن") تتجلّى اليوم هذه الصعوبات بشكلٍ أكثر تفاقمًا وتأثيرًا مع تنامي تداعيات تراجع القطاع التعليمي للبنانيين واللاجئين وتقاطعها مع ملفات أمنية واجتماعية تتفاقم تعقيدًا على المدى القصير والبعيد.
وتُشدد اليونيسف على أن منطلقها في ملف "الدمج" وكل ما يتعلق بطرحه كشرط للدعم هو حرصها الدائم على حصول جميع الأطفال، بغض النظر عن جنسيتهم، على تعليم نوعي وشامل. داعمةً تنفيذ الخطة الخمسية لوزارة التربية والتعليم العالي التي لا تتضمّن أي دمج لطلاب الدوام المسائي في الفترة الصباحية في المدارس الرسمية. معتبرةً أنه وفي نهاية المطاف يبقى تنظيم التعليم العام الرسميّ من مسؤوليّة الحكومة اللبنانيّة حصرًا.