ثمة مبالغة في إظهار النتائج الايجابية للحوار بين حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي بات معلوما أنه لم يطلب عودة التواصل مع قيادة المقاومة عن “طيب خاطر” بل عن حاجة ماسة فرضتها التطورات التي شهدها الملف الرئاسي بالتزامن مع إجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة وإعطاء المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان عطلة صيفية خلال شهر آب لبعض النواب وتكليفهم البحث في مواصفات الرئيس الى حين عودته في أيلول حاملا معه خيار الحوار.
أدرك باسيل أنه وصل الى طريق مسدود، فهو لم يحقق الهدف من التقاطع مع القوات اللبنانية على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، ولم ينجح في قطع الطريق على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهو خائف من إمكانية وصول قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي طرح إسمه بجدية في اللجنة الخماسية كخيار ثالث، لذلك لم يجد باسيل أمامه سوى العودة الى قواعده بطرح إستئناف الحوار مع حزب الله مستفيدا من توجهات الحزب في عدم صدّ حلفائه ولو أنهم راكموا الأخطاء على مدار أشهر ماضية.
يكشف سلوك باسيل أنه يلعب على حبلين أو أنه يتناقض مع نفسه بفعل التخبط المسيطر عليه، ففي الوقت الوقت الذي إنتزع منه حزب الله إقرارا بأنه مستعد لانتخاب فرنجية، يسارع الى إبلاغ المعارضة بأن الحوار بينه وبين الحزب قائم على تحييد فرنجية من المشهد، في حين يعود الى مقايضة الحزب بطرح شروط الحصول على اللامركزية الموسعة، والصندوق الائتماني ومشروع بناء الدولة مقابل إنتخاب فرنجية على أن يكون الدفع سلفا، ما يطرح سؤالا جوهريا لجهة، كيف يمكن أن تقرّ الحكومة اللامركزية والصندوق الائتماني وترسلهما الى مجلس النواب بينما باسيل يعتبرها غير دستورية ويرفض التشريع في المجلس في ظل غياب رئيس الجمهورية؟، أم أنه إذا كان الأمر يصب في مصلحته فإنه يتغاضى عن كل ذلك، ما يشير الى الشخصانية التي يتعاطى بها باسيل في كل الملفات؟.
وبحسب المعلومات، فإن حزب الله تلقف شروط باسيل، لكن في الوقت نفسه يدرك أن مسائل وطنية حساسة من هذا النوع لا يمكن البت بها مع “الرئيس البرتقالي” بمفرده، بل هي تحتاج الى إجماع وطني، وأن الصندوق الائتماني ليس ملكية خاصة لكي يضعها باسيل في حسابه أو يجيّرها لإرضاء الشارع المسيحي، بل إن ما يطرحه يهم كل اللبنانيين على إختلاف طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم السياسية.
أمام هذا الواقع، وإنطلاقا من الطروحات الفضفاضة لباسيل، فإن حزب الله طلب منه أن يكتب بالتفصيل طروحاته على ورقة رسمية لبحثها في الحوار بشكل جدي، وليكن التوافق حولها مبنيا على أسس محددة، وليس خبط عشواء، خصوصا أن ثمة علامات إستفهام كبيرة حول كل طرح من الطروحات الثلاثة ولا بدّ من توضيحها.
وتشير المعلومات الى أن الحوار بين باسيل وحزب الله توقف عند هذه النقطة، ولم تتحقق حتى الآن أية نتائج ملموسة، بإنتظار أن يقدم باسيل الورقة المطلوبة منه، علما أن ثمة إستحالة بأن يصار الى إقرار هذه المطالب في حال تم التوافق عليها قبل إنتخاب رئيس للجمهورية، ما يؤكد أن الدفع الذي يريده باسيل سلفا لا يمكن أن يتحقق، إلا إذا كان رئيس التيار يطرح أمورا خلافية من أجل شراء الوقت واللعب في الوقت الضائع ومحاولة إبتزاز المعارضة من جهة والفريق الداعم لفرنجية من جهة ثانية.