بالرغم من كل الانتقادات التي طالت اللقاء الوزاري التشاوري الذي عُقد في الديمان، برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبرعاية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ومشاركة 15 وزيرا، وبالرغم من المقاطعة التي لجأ إليها وزراء التيار الوطني الحر بتوجيهات من النائب جبران باسيل، فإن ما شهده الصرح البطريركي أمس، شكل مبادرة وطنية فريدة تركت آثارا إيجابية عبّر عنها البطريرك الراعي الذي رحب بهذا اللقاء ونوه بالجهود التي يبذلها ميقاتي والوزراء وأكد على أهمية التلاقي والحوار بين كل المكونات اللبنانية في هذا الظرف الدقيق.. وهي مبادرة، تُسجل أيضا لرئيس الحكومة الذي واجه كل أنواع الإفتراءات والاستهداف على مدار الأيام الماضية، لكنه أصرّ على تجسيد الشراكة الوطنية والعيش الواحد من خلال هذا اللقاء.
لا شك في أن مقاطعة وزراء التيار الوطني الحر، قد حشرت باسيل في زاوية ضيقة يصعب عليه الخروج منها بسهولة، خصوصا أن اللقاء الوزاري التشاوري ومن دون تخطيط مسبق وبفعل كلام البطريرك الراعي قد أعطى ميقاتي والوزراء غطاء من أعلى سلطة مسيحية في لبنان.
وبالتالي، فإن الحديث عن الانتقاص من موقع رئاسة الجمهورية، أو الاستيلاء على صلاحيات الرئيس، والذي لطالما جعله التيار الوطني الحر وباسيل تحديدا “قميص عثمان” قد سقط بضربة بطريركية لمصلحة ميقاتي، مؤكدة حرصه على مكوّن أساسي في البلاد وعلى الشراكة معه، فضلا عن الحرص على دور رئيس الجمهورية وحضوره، والتشديد على أن صياغة القرار اللبناني لا يمكن أن تتم من دونه، وعلى أن رئاسة الحكومة التي تصرف الأعمال وتواجه أخطر مرحلة في تاريخ لبنان الحديث، هي ليست في وارد تجاوز هذا الموقع بل على العكس هي تدعو اليوم قبل الغد الى إنتخاب رئيس يعيد إنتظام الحياة السياسية.
يمكن القول، إن المقاطعة وضعت باسيل وتياره في موقف لا يُحسد عليه، لجهة:
أولا: الوقوف في موقع متناقض مع الصرح البطريركي.
ثانيا: الوقوف في وجه مباركة البطريرك الراعي لخطوة إنعقاد اللقاء.
ثالثا: خسارة كل الأسلحة التي كان باسيل يستخدمها ضد الرئيس ميقاتي، لا سيما إتهامه بأنه يريد تهميش موقع رئيس الجمهورية أو الاستفادة من غيابه.
رابعا: التأكيد على أن صياغة القرار لدى التيار الوطني الحر تنطلق من قاعدة “جبران باسيل أو لا أحد”، حتى ولو أدى ذلك الى وضع التيار برمته في مواجهة رأس الكنيسة المارونية.
خامسا: دحض كل مواقف التيار التي تؤكد أن سياساته تنبع من الحرص على الدور المسيحي، فأين هو من هذا الدور؟، وهل الدور المسيحي يترجم بالتناقض مع أعلى سلطة مسيحية؟.
سادسا: ممارسة النكد السياسي من قبل باسيل، خصوصا أن لا جدوى ولا مصلحة في مقاطعة لقاء تشاوري يحتضنه الصرح البطريركي ويؤكد على المسلمات والثوابت اللبنانية ويبحث في كيفية صيانتها، في وقت يحرص فيه وزراء التيار على التشاور اليومي مع رئيس الحكومة في السراي، فيكف يمكن تفسير التشاور مع الرئيس ميقاتي في السراي ومقاطعة هذا التشاور في الصرح البطريركي؟!.
سابعا: إحراج التيار أمام الشارع المسيحي خصوصا أن المقاطعة لم تستهدف الرئيس ميقاتي بل هي إستهدفت وربما أساءت الى البطريرك الراعي، وبالتالي سقوط شعار “حقوق المسيحيين” الذي يرفعه عند كل مناسبة، والذي تبين أنه يشكل واجهة لتحقيق المصالح الباسيلية.
إنتهى اللقاء الوزاري التشاوري، وحقق نجاحا بشهادة البطريرك الراعي الذي إستضافه ورعاه، كما أكد أن خطوة الرئيس ميقاتي برمزيتها وأهدافها وتوقيتها، تؤكد الحفاظ على الصيغة اللبنانية الفريدة التي يسعى البعض الى إستهدافها ضمن مخطط إنهيار الدولة والوطن.