مثل كرة ثلج كبيرة تدحرجت دعوات سفارات عربية وغربية رعاياها في لبنان إلى مغادرته فوراً، ونصائح بعدم التوجّه إليه، وتجنّب الإقامة أو زيارة مناطق ومواقع تعتبر “مضطربة أمنيا”، ولو لم تحدّدها، ما أثار تساؤلات واسعة عن هذه التحذيرات وخلفياتها وتوقيتها، وهل هناك غيوم سوداء قادمة نحو لبنان وجاءت هذه التحذيرات لتكون بمثابة جرس إنذار قبل وقوع المحظور؟
تكاد المعلومات في هذا الصدد تكون معدومة، إلّا أنّ مؤشّرات التوتّر في لبنان والمنطقة تشير إلى احتقان سياسي وأمني بعد وصول مساعي الحلّ في لبنان والإقليم إلى أبواب موصدة، ما يعني أنّ ما تعذّر معالجته سياسياً وديبلوماسياً عن طريق الحوار والمفاوضات، ستتم معالجته عبر فوهات القذائف ودويّ القنابل وأزيز الرصاص برغم ما سيسببه ذلك من سقوط ضحايا ودمار سيحتاج بعدها إلى سنوات لمعالجة تداعياته وإزالة آثاره.
في لبنان كان القلق واسعاً جدّاً، لأنّ تحذيرات سفارات معينة، أبرزها السّعودية ودول خليجية أخرى ومعهم ألمانيا، إلى رعاياها جاء في توقيت مقلق. فهو جاء غداة الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وبعد هدنة هشّة في مخيم عين الحلوة كشفت الإستقرار الأمني الهشّ الذي يعيشه البلد، ووسط تفاعل تداعيات أزمة وجود أكثر من مليوني نازح سوري في لبنان، وفي عزّ موسم الإصطياف الذي عوّل كثيرون في القطاع السياحي عليه لانتشال البلد من أزمته الإقتصادية بعد تزامن ذلك مع الفراغ في رأس حاكمية مصرف لبنان مطلع هذا الشّهر، وفي غمرة إنقسام سياسي حاد ممتد منذ الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية قبل نحو 10 أشهر ونيّف.
هذا القلق سيستمر وسيتضاعف خصوصا أن البعض في المنطقة والعالم بدأ يقرع بقوة طبول الحرب، وينذر بأنّ الآتي أعظم.
ففي بلد إتّسم دائماً بضعف سلطته المركزية والإنقسامات السّياسية والطائفية والمذهبية بشكل عمودي، وكان منذ نشأته قبل أكثر من قرن من الزمن ساحة مناسبة جدّاً للأسباب المذكورة وساحة لصراعات الآخرين على أرضه، لا شيء البتّة يمنع من أن يتكرر المشهد مجدّداً، وأن يعيش البلد تحت عبء واقعه الصعب، وأن يدفع أثمان التاريخ والجغرافيا صراعات وحروب كلّ عقد من الزمن أو أكثر، وأن لا يغادر أبداً الصّفيح السّاخن الذي يقف فوقه.
ما سبق لا يدفع فقط إلى طرح أسئلة مقلقة حول الوضع في البلاد، إنّما يمتد ذلك ليطرح أسئلة وجودية عن مصير الكيان اللبناني بحدّ ذاته، حول أيّ مستقبل ينتظره، وما يخبئه المجهول له من مفاجآت إعتاد اللبنانيون غالباً أن لا تكون سارّة؟