منذ الأول من آب، تراجع ملف إنتخابات رئاسة الجمهورية، بتوجيهات من المبعوث الفرنسي الوزير جان إيف لودريان الذي أعطى الكتل النيابية التي ليس لديها مرشح واضح، العطلة الصيفية طيلة شهر آب للاستجمام، بإنتظار عودته مع بدء الموسم الرئاسي في أيلول حيث يُفترض أن يُشرف على حوار سياسي ثنائي أو ثلاثي أو جماعي تحت إسم مستعار هو “التشاور” حول مواصفات الرئيس تمهيدا لانتخابه.
وكما هي عادة المدارس الفرنسية التي تبقى إداراتها على تواصل مع طلابها على مدار فصول السنة، فإن لودريان أعطى بعض الكتل النيابية “فروض العطلة الصيفية” كي لا تهدر وقتها في “القيل والقال” ونسج الخيالات السياسية وإطلاق المواقف الشعبوية وتوجيه الاتهامات الى بعضها البعض، لذلك فهو أراد إشغالها وإطلاق مواهبها في وضع مواصفات رئيس للجمهورية المقبل، بهدف الاستفادة منها في الحوار الآتي في أيلول.
ليس سهلا ما يطلبه لودريان خلال شهر آب، خصوصا أن كثيرا من الكتل النيابية على إختلاف توجهاتها سبق ووضعت مواصفات رئاسية كانت بعيدة كل البعد عن الواقع ولا تتوفر في أي مرشح، بل هي تحتاج الى مصنع خاص ليقوم بـ”فبركة” رئيس على قياسها، حيث بالغت في طرح هذه المواصفات التي تحولت الى مادة للتندر أو للسخرية كون صاحب هذه المواصفات غير موجود إلا في مخيلات البعض، أو في جمهورية “أفلاطون” أو لدى من يريدون طرح الشروط التعجيزية لاحياء فرصهم الرئاسية من جديد.
ويُدرك مجلس النواب مجتمعا أنه عاجز عن إنتخاب رئيس بالمواصفات الأفلاطونية خصوصا أن لا أحد في لبنان بلا خطيئة، وكل المرشحين هم من أبناء هذه المنظومة وكانوا سابقا في مواقع المسؤولية سواء وزارية أو نيابية أو حزبية أو إدارية، لذلك، على المبعوث الفرنسي لودريان أن يعدل في “فروض العطلة الصيفية” في مادتين أساسيتين، الأولى، أن تدرس الكتل النيابية إمكانية تقديم التنازلات والنزول عن شجرة المواقف، للوصول الى قواسم مشتركة تفضي الى إيجابية إنتخاب الرئيس، والثانية هي إستبدال وضع المواصفات الشخصية، بإطلاق مواصفات البرنامج الذي من المفترض أن يلتزم به وينفذه الرئيس العتيد، خصوصا أن التوافق على البرنامج هو أقرب الى الواقعية السياسية، ومن شأنه أن يُخرج الكتل النيابية من أحقادها وأحكامها المسبقة على المرشحين، ويجعلها شريكة في المسؤولية، وعندها يكون الأوفر حظا المرشح الذي يستطيع تنفيذ هذا البرنامج.
واللافت اليوم أن البرنامج الواقعي والمنطقي في ظل هذه الظروف الصعبة لأي رئيس ستفتح أمامه طريق قصر بعبدا، من المفترض أن يتضمن الثوابت والمسلمات المعروفة لجهة أن يكون عروبيا حقيقيا قادرا على التحدث مع الدول العربية والخليجية وكذلك الأجنبية لمواجهة الانهيار الحاصل، وليس عروبيا مستجدا بالشعارات فقط، فضلا عن قدرته على التعاطي بثقة متبادلة مع سوريا التي يواجه العهد الجديد ملفات عدة معها بدءاً من النازحين الى التهريب عبر الحدود الى الترسيم البري والبحري، فضلا عن قدرته على التحاور مع جميع المكونات اللبنانية سياسيا وإقتصاديا وماليا وإداريا، وأن يشكل عامل إطمئنان للمقاومة، ويكون من ضمن الأقطاب الذين سبق ونالوا بركة رأس الكنيسة المارونية.