تضفي الذكرى الثالثة لانفجار المرفأ مزيداً من حدِّة المأساة التي دمرت عاصمة وشرّدت نصف أهلها، في ظل استمرار إخفاء الحقيقة ودعم محاكمة أي مسؤول، بعدما دخل القضاء في متاهات التسييس وخرافات الدعم الدولي، وفي ظل إصرار منظومة التسعينات على حماية رجالها. يستذكر الضحايا شهداء عدم المحاسبة والمساءلة في بلدٍ تتكرر مآسيه وتتعاظم، لأن المجرم والمرتكب والمهمل يعرف أنه بإمكان تكرار آلاف المآسي من دون أي سؤال، ومن دون أن يرف أيّ جفن لهذه الطبقة التي لم يشهد لبنان في تاريخ مثيلاً لتآمرها وإجرامها في حقّ شعبها. الأهم، ألا ينسى أحد كيف استعملت هذه الجريمة في إطار الدعاية الكاذبة والموجهة، وحرفها في اتجاه رئيس جمهورية وتياره السياسي، فعلا كل ما بوسعه لحماية العدالة والحقيقة...
هذه المناسبة تستدعي بطبيعة الحال ردود الفعل، الدولية والإقليمية والداخلية. مجموعة الدعم الدولية لا تزال تصر على التحقيق الشفاف. العديد من السياسيين يدينون ويترحمون لكنهم في الوقت نفسه شكلوا دروعاً لحماية من يجب الإستمرار في التحقيق معهم. في هذا الوقت لم تهدأ أرواح الضحايا بعد، طالما أن العدالة غائبة وكل الحقيقة ذهبت في أدراج التسيسس.
إلا أن الأهم يبقى في الأسئلة التي سبق وأصرّ عليها الوزير جبران باسيل مراراً. كيف دخلت السفينة المحملة بنيترات الأمونيوم، لماذا بقيت كل هذه المدّة، كيف حصل هذا الإنفجار الذي لم تتوضح حتى اليوم ملابساته. قصة "تلحيم" أم غارة إسرائيلية سمع البيروتيون أصواتها قبل تنفيذ الغارة؟ أسئلة جوهرية تضيع مجدداً في سياق السوريالية اللبنانية، وتكبر المأساة، التي توازتْ مع ضياع الودائع بتنفيذٍ ممنهج من المنظومة نفسها التي ترفض العدالة والمساءلة.
هذه المأساة ذكّر بمرتكزاتها الحقوقية اليوم رئيس تكتل "لبنان القوي"، مشدداً على محاكمة المسؤولين وحتى الذهاب إلى التحقيق الدولي إن اقتضت العدالة ذلك. حتى ذلك الوقت، تتراكم القضايا والإتهامات الموجهة نحو منظومة مافياوية مترسخة متشبثة بكراسيها، هوايتها إنتاج المآسي لشعب قلة طليعية منه لا تزال تواجه وتحارب وتطالب بالحقيقة، إن لانفجار المرفأ وإن للتدقيق الجنائي ومصير أموال اللبنانيين المنهوبة والمهربة عبر المصارف وتحويلات رياض سلامة لحاشيته السياسية – الإعلامية.
وفي العدالة المالية، طلبت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، توقيف رياض سلامة مستأنفة قرار القاضي شربل أبو سمرا بتركه.
في التطورات الميدانية لعين الحلوة، خيَّم هدوء حذِر اليوم بعد ليلة كانت الأعنف في الإشتباكات التي تحتمل خطر التجدد، طالما أن "فتح" تعتبر أنها لم تسترد هيبتها بعد ضربة العرموشي، وفي ظل إصرار المجموعات المتشددة الإسلامية على المواجهة. الأخطر ليس في حسابات فلسطينية داخلية، بل بالتداخل مع حسابات إقليمية وعربية من خلال هذا الإستخدام والتحريك لمخيم هو الأدق والأخطر جغرافياً على مفصل الجنوب اللبناني.