باتت البحار والبحيرات الكبرى في العالم تئن تحت وطأة تسارع تغير المناخ، خاصة ارتفاع درجة الحرارة، وتعبر عن ذلك بانكماش مساحة بعضها، وانخفاض منسوب مياهها، واختفاء ثروتها من الكائنات البحرية شيئا فشيئا.
وأظهرت دراسة انخفاضا في منسوب مياه بحر قزوين، وهو من البحار الحبيسة في آسيا، وصل إلى 38 سم خلال الأربع سنوات الأخيرة فقط، ووصل إجمالي الانخفاض إلى 170 سم منذ تسعينيات القرن الماضي.
يوضّح خبير بيئي لموقع “سكاي نيوز عربية” المخاطر التي ستمتد من البحار إلى الحياة البشرية مع اختلاف مساحات البحار وطبيعة مياهها.
وفق موقع “mdeast” الذي تحدث عن الدراسة، فإن الشاطئ الشرقي لبحر قزوين سيصبح “جافا تماما”، وذكر أن توقعات الخبراء في المركز الوطني للدراسات والبحوث الخاصة ببحر قزوين في عام 2017 تشير إلى انكماش مياه البحر بحلول عام 2050؛ نتيجة ارتفاع الحرارة بشكل خاص.
تغير طبيعة البحار
الخبير البيئي أيمن قدوري، عضو الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، يفسر أسباب انحسار المياه في البحار الحبيسة:
• المتعارف عليه أن البحار في العالم مرشحة لارتفاع مناسيبها بعد تسارع ذوبان مساحات الجليد نتيجة ارتفاع درجة الحرارة وتغير المناخ، وتسجيل متوسط حراري تجاوز 17 درجة مئوية؛ الأمر الذي لم تشهده الأرض سابقا.
• هذا الارتفاع يرتبط بالبحار المفتوحة فقط المتصلة بمجارٍ مائية تمدها بالمياه، أما البحار المغلقة (الحبيسة) فتشهد انخفاضا في مناسيبها؛ لأنها غير متصلة بمجاري مياه كبيرة سطحية، لكن اعتمادها الرئيسي على مياه الأمطار.
• مياه الأمطار بدورها تعاني تغير المناخ؛ حيث تتسبب في تقليل الساقط من الأمطار؛ لأن ارتفاع درجة حرارة الهواء في الغلاف الجوي، وتحديدا عند قاعدة الغيوم، يؤدي إلى تبخر الأمطار الساقطة قبل وصولها لسطح الأرض؛ فيحدث الجفاف.
• الجفاف يعني تقلص مساحة البحار الحبيسة، ومع تواصل ارتفاع درجة الحرارة، يستمر كذلك التبخر في الزيادة، ولا تجد ما يعوضها، وهذا يؤثر بشكل أساسي على أكبر بحار العالم الحبيسة، ومنها بحرا قزوين والبحر الميت.
ماذا بعد انحسار البحار الحبيسة؟
يوضح عضو الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة ما ينعكس على البيئة من تقلص مساحة البحار الحبيسة، ومن ذلك زيادة تركيز الأملاح في هذه البحار.
وحين تزيد الأملاح تتغير نوعية المياه؛ وهذا ينعكس بدوره على حياة الأنواع السمكية والطيور والكائنات البحرية التي يتميز بها كل بحر؛ فتبدأ بعض الكائنات الهجرة منها بالتدريج، وتفقد البحار ما يميزها من هذه الثروة، وفق قدوري.
ويضرب مثلا بأن بحر قزوين يتميز بوجود الفقمة، والدول المطلة عليه ستتأثر اقتصاديا بتراجع ثرواته البيئية.
جفاف البحيرات الكبرى
ما يتعلق ببحري قزوين والميت ينطبق كذلك على الكثير من البحيرات في العالم؛ لأنها مساحات مغلقة.
أظهرت دراسة أن أكثر من نصف البحيرات والمسطحات المائية الكبيرة في العالم تجف منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، لأسباب على رأسها تغير المناخ؛ ما يؤجج مخاوف إزاء توافر مياه للشرب والزراعة وتوليد الكهرباء.
وقال فانج فانج ياو، المتخصص في علم المياه السطحية بجامعة فيرجينيا، قائد فريق البحث الذي أعد الدراسة المنشورة في دورية “ساينس” العلمية، إن “56 بالمئة من التراجع في مياه البحيرات الطبيعية، يرجع إلى الاحتباس الحراري والاستهلاك البشري، لكن تزايد درجات الحرارة له النصيب الأكبر في ذلك”.