تقود بعض الاطراف السياسية الباص اللبناني الى الارتطام الكبير عن سابق تصور وتصميم، فيما تنتظر البلاد والعباد ننائج مدمرة على الصعيد المالي من شأنه ان ينعكس على الاستقرار الامني بفوضى عارمة لم يشهد لبنان مثيلا لها من قبل، خصوصا اذا ما بلغ سعر صرف الدولار سقفا جنونيا من شأنه ان يضاعف من الازمات ومن شلل مؤسسات الدولة بما في ذلك الاجهزة الامنية والعسكرية وقد يهدد العام الدراسي المقبل.
لا أحد مستعجلا على انتخاب رئيس للجمهورية بانتظار كل طرف ان تسمح له الظروف بتطريز الاستحقاق على قياسة ووفقا لمصالحه، وقد انتقلت هذه العدوى الى الدول الخمس التي جال المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان بإسمها على المسؤولين اللبنانيين، حيث تجاوز شهر آب وضرب موعدا للحوار والنقاش في شهر أيلول عسى ان يفضي ذلك الى اتمام الاستحقاق الرئاسي، ما يعني ان أكثر من شهرين سيكون فيهما الشغور رسميا وبموافقة محلية وخارجية.
هذا الواقع سيفسح في المجال امام التيارات السياسية للتنافس على إذلال اللبنانيين ماليا واجتماعيا، إعتبارا من أول آب موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في ظل عجز عن تعيين حاكم بديل، حيث تتجه الانظار الى الاتصالات التي ستسبق يوم الاثنين المقبل بعدما صار بحكم المؤكد ان جلسة الحكومة اليوم لن تبحث بالتعيين او لن يتأمن نصابها،في ظل اصرار حزب الله التيار الوطني الحر والمرده على موقفهم الرافض، اضافة الى سقوط فرضية التجديد او التمديد لسلامة، وإنجاه نواب الحاكم الى رفض تحمل المسؤولية سواء باستقالة جماعية او جزئية من شأنها ان تكشف ظهر المركزي وتعطي الضوء الاخضر لانطلاق صاروخي لسعر صرف الدولار.
في غضون ذلك، يستمر الرئيس نجيب ميقاتي في حمل كرة النار، انطلاقا من تقديره لحجم المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه وسعيه بكل ما أوتي من جهد وامكانات للحفاظ على الحد الادنى من مقومات الدولة، في مواجهة بعض الساعين الى تفكيك لبنان والذين يجدون بسلوك ميقاتي حجر عثرة امام تحقيق مبتغاهم، خصوصا انهم يعطلون الاستحقاق الرئاسي ويرفضون أي تدبير يمنع تمدد الفراغ الى المؤسسات الاساسية، ويتصدون لاجتماعات الحكومة الهادفة الى تلبية مطالب اللبنانيين، ويطلقون سهامهم على رئيس الحكومة تارة باتهامه بالتقصير وتارة أخرى بأنه يصادر صلاحيات رئاسة الجمهورية ويقود حكومة غير شرعية وغير دستورية وغير ميثاقية، ثم بعد ذلك يتباكون على المواقع التي يطالها الفراغ.
هذا السلوك يطرح سلسلة تساؤلات لجهة: ماذا يستفيد ميقاتي من تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان؟، ولماذا يبذل كل هذه الجهود رغم ان حكومته مستقيلة وتصرف الاعمال وبإمكانه غض الطرف عن كثير من الامور خصوصا في ظل معارضة بعض التيارات المسيحية لاصدار المراسيم واتخاذ القرارات الحكومية؟ وهل باتت مقولة ان “كلفة انهيار البلد وإعادة تركيبه من جديد اقل من كلفة ترميمه”، أمرا واقعا؟ وفي حال انهيار البلد من يضمن اعادة بنائه من جديد وعلى أي أساس أو نظام؟، واذا كان الفرقاء السياسيون لا يتفقون على رئيس للجمهورية او على تعيين حاكم مصرف لبنان، فكيف سيتفقون على اعادة بناء البلد من جديد؟..
لا شك في أن الرئيس ميقاتي يحاول منع تمدد الفراغ الى المؤسسات الحيوية في الدولة، وهو بالتوازي مع محاولة تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، يجتمع مع نواب الحاكم الاربعة لتطمينهم وثنيهم عن الاستقالة ودفعهم لتحمل المسؤولية، وهو قد يدعو الى جلسة حكومية يوم الاثنين المقبل في محاولة ثانية لمنع تجرع اللبنانيين الكأس المر ماليا جراء الفراغ في حاكمية مصرف لبنان في حال نفذ نواب الحاكم تهديدهم بالاستقالة، خصوصا ان ميقاتي لا يريد الدخول في مغامرة تفكيك البلد او اطلاق رصاصة الرحمة عليه، وهو سيقوم بواجباته الوطنية كاملة، على قاعدة “اللهم إشهد إني قد بلغت” وبعد ذلك فليتحمل كل فريق مسؤولية ما سيحصل!..