لعلّه كان خير وصف أُطلق على زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان ما قاله الوزير السّابق وئام وهاب من أنّ وزير الخارجية الفرنسي السّابق “لا يُخوّف أحد، ولا يمون على أحد، وهو مُكلّف بتقطيع الوقت”، في إشارة إلى أنّ لودريان لا يحمل في زيارته الثانية إلى لبنان، بعد الزيارة الأولى التي قام بها الشّهر الماضي، أيّ أفكار من شأنها إيجاد مخرج لأزمة الفراغ في رئاسة الجمهورية، أو للأزمات الأخرى.
تصريح وهاب يحمل ثلاثة عناوين رئيسية متعلقة بزيارة لودريان. الأوّل أنّ الموفد الفرنسي لا يستطيع إدخال الخوف إلى قلوب من يقابله، أو يضغط عليه من أجل جعله يرضخ ويذعن لأيّ تسويات أو أفكار مقترحة، وهو أمر إعتاده اللبنانيون طيلة سنين أزماتهم التي كانت لا تنتهي إلا بعد أن يفرض طرف خارجي معين، إقليمي أو دولي، بالقوّة أيّ اتفاق تسوية يتم التوصّل إليه.
أمّا العنوان لزيارة لودريان، وفق وهاب، فهو أنّ الموفد الفرنسي لا يمون على أحد، وهي مونة إذا ما فقدها أيّ موفد أو وسيط على أطراف الأزمة اللبنانية، فإنّه سيتحوّل إلى “ملطشة” من قبل أغلب من سيلتقي بهم، لأنّ أيّ موفد أو وسيط لا يمون على من يجتمع بهم، سياسياً أو مالياً أو معنوياً، فإنّه لن يحصد من زياراته وجولاته إلّا الخيبة والفشل.
يبقى العنوان الثالث لزيارة لودريان إلى لبنان، وهو على ما يعتقد وهاب، أنّها بهدف “تقطيع الوقت”، أيّ أنّ طبخة التسوية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لم تنضج بعد، وأنّ المرحلة الحالية بكل ما تشهده من تطورات ولقاءات وزيارات موفدين هي “وقتاً ضائعاً” بانتظار “هبوط” الوحي ومجيء “كلمة السّر” الخارجية التي يبدو أنّها لن تأتي في الأشهر المتبقية من هذا العام مثلما يتضح من مسار الأحداث.
هذا الإنطباع أكدته عضو تكتل “لبنان القوي” النائب ندى البستاني، التي حضرت لقاء لودريان مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، حيث كشفت المهمة التي أتى الموفد الرئاسي الفرنسي من أجلها إلى لبنان، بالتنسيق مع أعضاء اللجنة الخماسية التي التقت مؤخّراً في العاصمة القطرية الدوحة، وهي أنّ لودريان تقدم بطرح معين خلال لقاءاته، يقوم على “إجراء محادثات سريعة في شهر أيلول (محادثات أم جلسات حوار؟)، ضمن وقت زمني محدّد، تبدأ من الصّفر، أيّ من دون طروحات مسبقة، بغية الإتفاق على البرنامج أولاً، وعلى المرشّح ثانياً”، مضيفة أنّ “هذه المحادثات مرتبطة بفترة زمنية محدّدة تكون نهايتها عقد جلسات برلمانية متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية”.
لكن ما كشفته البستاني حول محادثات أيلول المنتظرة تحمل في طيّاتها بذور الفشل مسبقاً، وتطرح تساؤلات حول تفسير “المحادثات السّريعة”، وهل سلق الأمور سلقاً يكفي لحلّ الأزمة؟، وكيف يمكن لحوار أن ينجح إذا كان البعض يرفض وجود شروط مسبقة؟، بينما هو يضع هذه الشّروط قبل أن يقبل الجلوس على الطاولة!..