دخلت جولة لودريان في يومها الثاني في الأفكار العملية للحلول التي يطرحها، سعياً لخرق جدار الأزمة الرئاسية. وفيما التقى الموفد الفرنسي رئيس تكتل "لبنان القوي" النائب جبران باسيل ورئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع، توضح أن أفكاره الجديدة تتقاطع إلى حد كبير مع ما كان التيار الوطني الحر خطّه منذ البداية في ورقة الأولويات الرئاسية، كخارطة طريق عملية وجامعة لانتخاب رئيسٍ للجمهورية مع خطة متكاملة للإصلاح.
فأفكار لودريان العودة في أيلول المقبل تستند على إجراء مشاورات في فترة زمنية سريعة ومحددة للاتفاق على البرنامج الذي يحتاجه لبنان، ومن ثم على إسم المرشح المؤهل لحمل هذا التصور على أن يلي ذلك عقد جلسات متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية. وفي مقارنة بسيطة مع عودة بالذاكرة إلى بدء "التيار" مشاوراته مع الكتل النيابية من دون استثناء على أثر انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون، نجد أنه تم اعتماد مقاربة التيار منذ البدء وهي التوافق على البرنامج والإسم معاً، ومنطلق المشاورات المكثفة بدلاً من الحوار الوطني الشامل والفاشل قبل أن يبدأ. وعندما يطرح لودريان التوافق من دون شروط مسبقة، فهذا يعني أنَّ الإدارة الفرنسية كرّست طي صفحة رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية نهائياً، بعد وصول جوهر هذا الطرح وتنفيذه إلى حائط مسدود.
وفي حال تم تنفيذ هذه الخطوات في شكل ناجح، وإذا صفتْ نيات القوى السياسية اللبنانية في اتجاه انتخاب رئيس يكون مبنياً على التوافق واحترام الشراكة، بالتوازي مع الإتفاق على برنامج يشكل قاعدة ولاية الرئيس المقبل، عندها يكون تتويج الحل بجلسات متتالية لانتخاب رئيس.
على أن المبادرة الفرنسية تتطلب النجاح على محورين متوازيين: الأول هو التوافق الداخلي، وهذا ما يتطلب قاعدة واسعة من المشاورات ومن تخلي أركان منظومة التسعينات عن أوهامهم وعن تمسكهم بسلوك السيطرة على الدولة كما في السابق، والمحور الثاني يتطلبُ تغطيةً أميركية واضحة للمسعى الفرنسي. وفي حال عدم توفّر هذين المحورين، فإنَّ الخطة الفرنسية الجديدة لا يمكن أن تصل إلى برّ النجاح.
على خطٍ مواز، تلف الضبابية والغموض والتخبط مصير الجلسة الحكومية في الغد للبت بمصير حاكمية مصرف لبنان وكيفية إدارة الشغور، وما زاد من الضغط رفض مجلس شورى الدولة طلب الحكومة إمكانية الإقتراض من الإحتياطي الإلزامي. وقد أبرز إعلان عدد من الوزراء مقاطعتهم للجلسة وفي طليعتهم عصام شرف الدين، أنه لا بد من تحمل نواب "الحاكم" مسؤولياتهم، أو تعيين حارس قضائي كما طالب بذلك مراراً رئيس "التيار" جبران باسيل. ومن ضمن التخبط لا تزال ثنائية ميقاتي – بري تفكر بتعيين مدير مؤقت للمركزي، على أن هذه الخيارات كلها تبقى مخالفة للدستور والقانون، مع استمرار تهرب نواب سلامة من مسؤولياتهم، وفشل مجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال بالتقدم ولو خطوة واحدة في اتجاه إجراءات إصلاحية يتطلبها الخروج من الأزمة.