“بيروت هي حلمي”، قال السفير الياباني السابق في لبنان تاكي شي أوبوكو. وأكمل بحماسة لافتة معبّراً عن حبه اللامتناهي لبيروت لأسباب عدة، منها أنها “المدينة المعجزة، التي تجمع صوت مئذنة الجامع وبرج جرس الكنيسة، متلاصقَين في بناءين متقاربين في مساحة واحدة، وهذا شيء نادر الوجود خارج هذه المدينة…”
قاطعناه سائلين عن واقع التعايش في لبنان؟ فأجاب ان “التعايش السلمي ليس بالأمر السهل طبعاً”، مشيراً الى أن “ثمة جهوداً مستمرة تُبذل من كل الجهات في هذا الاتجاه…”
السفير تاكي شي أوبوكو في عطلة صيفية في بيروت تستمر 10 أيام تقريباً يعود بعدها الى مدينته طوكيو ليتابع عمله في القطاع الخاص بعد تقاعده العام الماضي من السلك الديبلوماسي العام.
وقال: “أعمل لربط القطاع الصناعي والاقتصادي والسياحي بين البلدين، مع تمسكي بصداقاتي هنا المبنية على ثوابت عميقة من الثقة والاحترام”. وأعرب عن أمله، لا بل عن حلمه، في ان يفتتح مطعماً لبنانياً في اليابان لأن عدد المطاعم اللبنانية هناك قليل جداً، فيما تنتشر المطاعم اليابانية في لبنان بكثرة الى درجة أنها تقدَّر بـ 200 مطعم.
لنعد الى بيروته. قبل يومين وتحديداً في 18 تموز، إجتمع أصدقاؤه لمشاركته فرحة عيد ميلاده. إبتسم مشيراً الى أن “كل شيء كان مميزاً في هذا اليوم…”
ما الذي يجذبه الى مدينة منكوبة وبلد مأزوم؟ صمت قليلاً ليؤكد أنه “في ظل ثابتة لا مجال للشك فيها أن بيروت كانت باريس الشرق والواحة الثقافية في الشرق الأوسط كله، فإنني ألمس القوة والصمود عند الشعب اللبناني، الذي يواجه صعاباً جمة بعد انفجار مرفأ بيروت وما تبعه من أزمات متعددة في الطاقة، والشؤون المالية والاقتصادية وسواها”.
وتوقف عند “قواسم مشتركة بين الشعبين اللبناني والياباني، اللذين مرا بحروب قاسية وجمعت كل منهما تداعيات كارثية على اللبنانيين من خلال كارثة إنفجار مرفأ بيروت، وعلى اليابانيين من خلال كارثة قنبلتي هيروشيما وناغازاكي”، لافتاً الى أن “روح الصمود والقوة تميّزان كلاً من الشعبين، علما ان الموارد البشرية التواقة الى التعليم هي نواة اساسية لبناء الدولة…”
بالنسبة إليه، “أتعاطف بشدة مع شعب لبنان الصديق، الذي عانى أزمات حادة تشبه كثيراً ما مربه بلدي الأمّ”.
من هي الشخصية السياسية التي تأثر بها في لبنان؟ أجاب أنه شغل منصبه الديبلوماسي في بيروت من العام 2019 الى العام 2022، مشيراً الى أنه التقى خلال هذه الفترة الجهات والتيارات والأحزاب كلها مع التزامه الحياد في علاقته، ليستنتج أن “المشهد السياسي معقد جداً في لبنان، وهذا يعود الى تدخلات خارجية من جهة والى التصادم بين مختلف الأحزاب من جهة أخرى”.
يبتسم ليجيب عن السؤال المطروح، جازماً أن “رفيق الحريري هو شخصية فذة كانت تواقة لبناء هذا البلد المدمر جراء تراكم الحروب على أرضه، مع تنويه بأنه استطاع إيقاف مسار هذه الحروب…”
ولفت الى أنه “كان يقيم في دمشق في تسعينات القرن الماضي شاغلاً مهام رئيس القسم السياسي والثقافي في السفارة اليابانية”. وأضاف: “لقد سنحت لي الفرصة لزيارة بيروت في حينه ولمست بعيني المجردة دينامية رفيق الحريري في بناء الدولة والخروج من الحرب…”
ثم انتقل الحديث الى ذوق “سعادة” السفير في الموسيقى وقراءة الصحف والأدب، فأكد انه كسائر الديبلوماسيين شغوف بالسيدة فيروز، ولاسيما أغنيتها “يا قدس”، إضافة الى تمتعه بكل أغنيات نانسي عجرم.
ماذا يقرأ؟ بعد تشديده على إعجابه بجبران خليل جبران، أكد السفير الياباني السابق أنه “قارىء شغوف ووفيّ لجريدة النهار، وهي وسيلة إعلامية ذات جودة عالية جداً”… وتذكّر أنه انساق في متابعة “النهار” منذ ثمانينات القرن الماضي عندما كان يافعاً وخلال توليه مهامه كملحق ثقافي في السفارة اليابانية في دمشق حيث كان ينكب آنذاك على تعلّم العربية الفصحى.
تابع تطور لغته من خلال تلقّيه دروسا خصوصية على يد معلمين سوريين متخصصين مع إدمانه على قراءة يومية لـ”النهار” ومتابعة مقالات عميدها غسان تويني.
وأكد أن جريدة “النهار” هي “منبر حر ومصدر أساسي لجمع المعلومات”، مشيراً الى أنه “يتوق للقاء الأستاذ مروان حماده، الذي كان يتردد الى مكتبه في مبنى “النهار” في زيارات متكررة خلال توليه مهامه الديبلوماسية…”
وقال: “هذا شخص قوي وثابت. تمكن من ان يقاوم اغتياله بإرادة صلبة جداً”.
ماذا في جدول أعماله اليوم؟ سيتوجه الى حضور افتتاح مهرجانات بيت الدين الدولية مساء، مشيراً الى أن “في لبنان بحراً جميلاً وشاطئاً جميلاً جداً، وأتوق لزيارة طرابلس عروسة المتوسط ومجمل الآثار القديمة المنتشرة في لبنان واكتشاف الطبيعة الخلابة والأنهر والجبال وغابات الصنوبر…”
“لبنان بلد مختلف عن سواه من البلدان”، قال أوبوكو. وأكمل مشيراً الى “أننا لا نشعر إلا هنا بالعلاقات الانسانية، بين أفراد الاسرة الواحدة، الاصدقاء، الجيران وما شابه، ما جعلني لا أختبر يوماً الغربة خلال إقامتي في لبنان”.
ختاماً، أكد أنه “متفائل بحذر”، داعياً الى “الإلتزام بالاصلاحات الادارية والمالية في لبنان، التي ستعيد الثقة بهذا البلد في العالم كله، مع الاشارة الى أن أي تحسن في الوضع الاقتصادي منوط بالإلتزام بما يراه صندوق النقد الدولي”.