حبيب البستاني
تتعدد المشاكل والمعضلات التي يواجهها البلد هذه الأيام، حتى أن المبادرات التي يُعول عليها اللبنانيون، لا سيما الخارجية منها باتت وكأنها تاتي لزيادة حدة المشاكل وليس لحلها. فبينما الناس بانتظار مبادرة لودريان والطروحات الفرنسية الجديدة يأتي اجتماع الخماسية ليفرمل هذه المبادرة، ليعود التلويح بالعقوبات السمجة والثقيلة لتحل ضيفاً ثقيلاً مكان المبادرات، وكأن اللبنانيين كانوا ينعمون بالمن والسلوى ورغد العيش ليأتي الذي يشكل جزءاً من نقمة اللبنانيين وليس نعمتهم ليهددهم بمزيد من العقوبات. فبالله عليكم عن أية عقوبات يتحدثون وكل سبل العيش قد قطعت تماماً عن الناس. وهذا ما يعيدنا إلى بدايات القرن الماضي حيث كانت فرامانات وزير حرب الدولة العثمانية أنور باشا تتناغم مع الحصار المفروض على الشواطىء اللبنانية تارة من العثمانيين وطوراً من الأوروبيين. فالغاز والطاقة ممنوعتان من الوصول إلى الشعب اللبناني بموجب قانون قيصر، والدولار والتحويلات المصرفية تصل بالقطارة وتتم تحت مجهر البنوك الأميركية، ولم يكن ينقصنا سوى حظر تصدير التفاح اللبناني إلى مصر، أما الاستثمارات العربية فهي تتبع حكاية إبريق الزيت. فبالله عليكم عن أية عقوبات يتحدثون؟، فهل يريدون تقنين الهواء وحجبه عن البلاد والعباد. وحدها الإرادة اللبنانية التي لم تأبه لا لتحذير السفارات ولا لتعليمات مراكز الاستخبارات فتخطت قانون قيصر وأم مئات آلاف اللبنانيين لبنان ليكحلوا عيونهم برؤية الأهل والتمتع بجمال لبنان وهوائه الذي لا يضاهيه، لا مناخ سيدني ولا اموال نيويورك ولا حتى جمال باريس الأخاذ.
لودريان آت ما آت
هكذا أصبحت حال الوزير الفرنسي "آت ما آت" الذي ربما قد يأتي للاستطلاع في أغلب الظن وليس لعرض الخلاصات والاستنتاجات. فالمبادرة الفرنسية بحاجة لدفع الخماسية والدول العربية وعلى راسها المملكة العربية السعودية وقطر، وهذا ما لم يحصل حتى كتابة هذه السطور. حتى أن المبادرة الداخلية التي قام بها الوزير باسيل باتجاه حزب الله والتي كان من المعول أن تحدث فرقاً كبيراً، إلا أن هذه المبادرة وما رافقها من جولات مكوكية للفريقين بحاجة لدعم الأفرقاء إن من على يسار الحزب أي رئيس حركة أمل الذي لم يزل يراوح في نفس الدوامة منذ انتخاب الرئيس عون وما رافقها من مواقف وخطوات نارية مُعطلة، وهو ما زال يستفيد من الوقت الضائع والظرف الإقليمي الغير ناضج بعد للتسويات، وتحرك المياومين أنموذجاً لما يمكن للمنحى التصعيدي الذي يمكن أن تتخذه الأمور. كذلك الحال على يمين التيار فهنالك موقف رئيس القوات الذي يلعب وفق أجندته الخارجية غير عابىء بتسويات الداخل ونتائجها، وهو بانتظار تعليمة ما أو توليفة ليبنى على الشيء مقتضاه.
إعادة ما للشعب للشعب
مع انسداد الأفق السياسي لا بد من التفكير جدياً بمخرج لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، فالمجلس النيابي الحالي عاجز عن انتخاب رئيس وحتى وفي أحسن الأحوال عن تأمين نصاب، فالأقليات التي يتألف منها المجلس لا تصنع أكثرية والتناقضات لا تولد الحل. وبالتالي فالمطلوب أعجوبة ولكن وكما يعتقد الكثيرون فإن زمن العجائب قد ولى وزمن ابتداع دوحة جديدة هو بعيد المنال في الوقت الراهن، فهل إذا جمعنا الأضداد يمكن الوصول إلى تفاهمات؟ من هنا كان لا بد من إيجاد الحلول ومن داخل المؤسسات والسؤال المطروح ما هو دور المجلس النيابي إذا كان عاجزاً عن انتخاب رئيس؟ ولماذا الإصرار على بقاء هذا المجلس حتى انتهاء الولاية، وهل يتحمل البلد كل هذه الفترة الطويلة من الفراغ الرئاسي وقريباً المالي في المصرف المركزي والأمني؟ لقد برهنت الحكومة ورئيسها الفاقد الصلاحية عن إخفاق كبير في تسيير المرفق العام، وهذا يتحمل مسؤوليته من اصر على بقائه واستمراره.
من هنا فلا يوجد حل إلا بإعادة الوكالة الذي أخذها النواب إلى الشعب اللبناني صاحب السلطات، ولا بد من إعادة الحكم للشعب وذلك بإجراء انتخابات نيابية مبكرة علها تنتج جديداً.