دمشق - هدى العبود
تحتل السينما والدراما التلفزيونية مكانة كبيرة ضمن قائمة الموارد الثقافية، ما جعل الاهتمام بإنتاجها متزايدا حول العالم، وهذا يحقق انتشارا ثقافيا لصالح البلد المنتج، فضلا عن مردوداتها المادية العالية وتأثيرها على الناتج القومي، كما تعتبر الدبلجة إلى جانب الترجمة، من اللغة الأصلية للعمل، إلى لغات أخرى، إحدى أكثر الطرق شيوعا، للمساعدة على انتشار الأعمال التلفزيونية والسينمائية ونشر الثقافة عبر عالم «الدوبلاج».
استخدم هذا المصلح، للتعبير عن العملية التقنية، التي تهدف إلى إضافة صوت غير الصوت الأصلي للعمل المصور عبر عالم فضائي سمي بالدوبلاج والكلمة مشتقة من الفرنسية وترجمة النص من لغته الأصلية، إلى لغة ثانية، كما أنه لا يوجد تاريخ واضح لبداية عملية الدوبلاج، لكن يعتقد أنها بدأت في وقت مبكر من استخدام تقنيات الصوت، كما أن هذه التقنية شائعة في معظم دول العالم، لعدة أسباب سنأتي على ذكرها..
«الأنباء» التقت الفنان حمادة سليم للوقوف على عالم الدبلجة ترى ماذا قال عن مكنونات هذا العالم؟
بداية قال: «الدبلجة هي مصطلح تلفزيوني يستخدم عند القيام بتركيب أداء صوتي بديل للنص الأصلي بلغة أخرى لإنتاجات تلفزيونية كالمسلسلات دوبلاج والأفلام الوثائقية وتعود الكلمة بأصولها للغة الفرنسية.
ويعتبر فن الدبلجة من الفنون التي انتشرت بكثرة خلال الخمسة عقود الأخيرة، وذلك تزامنا مع الحاجة إلى نقل ثقافة بلغة معينة لبلدان أخرى تتحدث بلغة مختلفة، وقد كانت الدبلجة بشكل عام ضعيفة في بداياتها نظرا لعدم قبول الناس للأعمال المدبلجة واعتمادهم بشكل كبير على الترجمة الكتابية للأعمال التي يحبونها، لكن هذا الأمر تغير مع الوقت بسبب كثرة الأعمال المطلوبة وامتهان فن الدبلجة من قبل بعض الممثلين المحترفين ذوي الخبرة في عالم التمثيل، وهذا دعم وأعطى وزنا وثقلا لصناعة الدبلجة.
وأضاف سليم فن الدبلجة» باختصار هو القدرة على تركيب الصوت على الصورة، أو الفيديو بمعنى أدق، وهذا الصوت يكون بلغة مختلفة تماما عن اللغة الأصلية التي خرج بها النص لأول مرة، لكن المؤثرات الصوتية والأصوات الخارجية الغير مدرجة بالنص تبقى كما هي عند الدبلجة، وهنا تأتي قدرة الفنان المحترف لهذا الفن السهل الممتنع.
وردا على سؤال يتعلق بخفايا عالم الدوبلاج قال سليم:
الدبلجة ليس عالما سهلا كما يعتقد الآخرون، الدبلجة تمر بمراحل متعددة وصعبة للغاية فهي تتطلب جهدا فكريا وجسديا ووقتا طويلا من الكادر الفني للوصول الى هذا الفن المدبلج الممتع بمضمونه وحضارته التي نشاهدها..
فالمرحلة الأولى تبدأ من إعادة كتابة سيناريو العمل من خلال لغة البلد الذي تبنى دبلجة هذا المسلسل او الفيلم، وهنا سأتكلم عن اللغة العربية التي نعمل من خلالها لإيصال مضمون المسلسل للمشاهد العربي أينما كان، يراعى بداية مساحة الجملة مع الجملة في اللغة الأصلية، وتمر الترجمة بمرحلتين كما في الدبلجة إلى العربية العامية مثلا، حيث تتم ترجمة النص إلى اللغة العربية الفصحى أولا، ثم إعادة تدوينه باللغة البيضاء أي اللغة المحكية العامية، ويقوم بذلك كادر او كادران متخصصان بذلك، يسند للكادر الأول الترجمة، ثم يتم وضع الترجمة على الفيديو، وتسليمه للكادر الثاني، ومهمته نقل هذا النص الى اللغة البيضاء أي اللغة العامية، وهنا يبدأ باختيار الكلمات الأقرب إلى حركات الشفاه، وطول كل وبعد انتهاء هذه المرحلة، يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة التسجيل من خلال ممثلين محترفين ومتخصصين بالدبلجة بتسجيل الصوت وهذا لا يقل أهمية عن المرحلة الأولى، حيث يعيد الممثل تمثيل المشاهد بالاستديو ليتمكن من إيصال رسالة العمل الهادفة، وهذا شاهدناه من خلال دبلجة العديد من الاعمال التركية على الشاشات السورية، وتأتي المرحلة الأخيرة وهي عملية المعالجة والاستبدال اذ توضع الأصوات المسجلة. إضافة إلى استبدال المؤثرات الصوتية، وكافة الأصوات، كما يقوم التقنيون بمزامنة الشرائح الصوتية، بشكل دقيق، ليكون زمن تحريك الشفاه، مطابقا تماما لزمن نطق الجملة باللغة الجديدة. جدير بالذكر أن بعض الدول، مثل هنغاريا، كانت تقوم بالحفاظ على الصوت الأصلي، ووضع الصوت الجديد فوقه، كما أن بعض عمليات الدبلجة اقتصرت على صوتين فقط، على الرغم من تعدد شخصيات العمل.
وبرأيي أن أية دولة في العالم تعمل جاهدة على إيصال ثقافتها وعاداتها وتقاليدها من خلال فنها لأكثر دول العالم، والفن برأيي هو لغة تجمع العالم أجمع، وجميعنا يتمنى ان يشاهد عادات وتقاليد وثقافة تلك البلدان، وكانت الدبلجة هي البلسم والطريق السليم لإيصال ذلك عبر عالم الفن الواسع الذي لا حدود له.
بماذا تعلق على مبررات الشركات التي تعتمد الدبلجة للأعمال الفنية بديلا عن انتاجها محليا؟
برأيي ان المبررات للشركات التي تعتمد الدبلجة بدلا من انتاجها محليا هي اهداف نبيلة بالمطلق، لأن الدبلجة هي فن قائم بحد ذاته للتعرف على ثقافات أخرى ومشاكلها وسلبياتها من خلال حياتها وأسلوب العيش فيها سواء في الحب او الحزن او الفرح او معالجة قضايا كبيرة كالمخدرات وانتشارها وكيفية محاربتها تهم جميع البلدان على مستوى العالم، ولا يقتصر ذلك على مجتمع سوري او خليجي او آسيوي أو أميركي أو افريقي. بالنهاية تعددت مشارب الناس لكنهم يتمتعون بالحواس ذاتها، يحزنون ويفرحون وينبذون الحروب والمخدرات وعالم الجريمة كل ذلك يهمنا جميعا ونعمل جاهدين على معالجته ونستطيع الاستفادة من ثقافات تلك الشعوب وطريقة مقاربتها لمشاكلنا ومعالجتها ويصبح لدينا معرفة بثقافات الآخرين، ويمكننا التطوير لذاتنا بالإضافة الى ان الفنان يستطيع التعرف على الأعمال الفنية العالمية والغير عالمية وسأضرب مثالا «الاعمال الفنية التركية تشبهنا كعرب من حيث العادات والتقاليد وأسلوب حياتنا اليومية من فرح وحزن وتراث بالإضافة الى اننا نعتنق أديان سماوية واحدة كل هذه العوامل تشبهنا لدرجة ان المطبخين التركي والعربي متشابهان بنسبة كبيرة كل ذلك نشاهده بأعمالهم من خلال الدبلجة».
برأيك، هل ضعف الاعمال الفنية لبعض الدول دفعها لدبلجة اعمال من لغات مختلفة بالنسبة للأطفال نظرا للجودة مثلا؟
سؤال مهم، لكن لا بد أن نتساءل عن أسباب نقل عمل مصور أو فيلم كرتون إلى لغة غير لغته؟ هذا يخضع لعوامل أساسية منها فعلا ضعف الإنتاج العربي لتلك الأفلام الهامة بالنسبة للأطفال، لذلك تنقل تلك الاعمال الجيدة من دول متحضرة درست هذا العالم الدقيق والحساس، فالطفل هو الأساس في بناء تكوين شخصية الإنسان وبالتالي بناء المجتمع، لذلك دبلجت أفلام الأطفال من لغات أخرى كما الحال مع أفلام الكرتون، حيث تعتبر أفلام الكرتون العربية الأصيلة، قليلة جدا مقارنة بغيرها، كما تعتبر متواضعة من حيث التقنيات والجودة، لذلك تمت دبلجة مئات الأعمال الكرتونية من مختلف اللغات، لتجاوز الثغرة التقنية في الإنتاج المحلي، فضلا عن شهرة الأعمال الأجنبية الأصلية..
وقد تركزت عمليات الدبلجة لأفلام الكرتون بشكل أساسي، في كل من مصر، والأردن، وسورية، إضافة إلى لبنان، من ابرزها المسلسل الكرتوني الكابتن ماجد، وغرندايزر، والنمر المقنع، إضافة إلى المسلسل الكرتوني الشهير، المحقق كونان، وجميعها باللغة العربية الفصحى، إضافة إلى عشرات المسلسلات الأخرى. كما ترجمت الكثير من الأفلام الكرتونية الطولية، وكانت من إنتاج شركة ديزني العالمية، مثل سندريلا، جميلة كونغ فو، الفأر والطباخ إضافة الى فلة والاقزام السبعة والأميرة النائمة فضلا عن أفلام الأينمي، وتمت ترجمة بعضها باللغة العربية الفصحى وبعضها بالعامية المصرية، وقد اكتسبت شركات الإنتاج، خبرة كبيرة في هذا المجال مما جعلها منتشرة بشكل كبير، كل ذلك ساهم في ضعف القدرات المحلية المتواضعة امام التحديات المادية الضخمة لتلك الدول المصنعة.
ما الأعمال الفنية المدبلجة التي أثرت بك كفنان؟
بداية، المسلسلات التي أثرت بالعالم العربي عامة وليس بالمجتمع السورية خاصة كدبلجة، هو مسلسل كساندرا المكسيكي هذا المسلسل حفر بذاكرة الجمهور من المحيط الى الخليج، ويعتبر من أول الاعمال المدبلجة ومن ثم تنوعت الدبلجة من الفرنسية والإيرانية والاسبانية والهندية والبرتغالية والكورية والبريطانية والأميركية والتركية للعربية، وبرأي هذه الاعمال هي ثقافات لها لونها وهويتها وبصمتها الحقيقية وكل نوع من المسلسلات يعتبر مدرسة قائمة بحد ذاتها ندخل عليها نفهمها ونكتسب منها على الأقل ما ينقصنا كفنانين.. والفنان بحاجة لمشاهدة كل الاعمال السينمائية والمسرحية والدرامية عالميا من أجل ان يكون متماشيا مع تطور هذا العالم المذهل، فمن يشاهد الأفلام المصنعة بهوليوود يتأثر، ومن يشاهد الاعمال المصرية التي تربينا عليها منذ ستينيات القرن الماضي كذلك يتأثر ويكتسب، والدراما السورية وصلت للترجمة عالميا..اذا حجزنا مكانا لنا كفنانين سوريين أماكن على الخريطة الفنية العالمية، فهناك فنانون سوريون عالمون مثل الفنان القدير غسان مسعود والفنانة القديرة منى واصف والمخرج العالمي مصطفى العقاد وغيرهم، وانا شخصيا قمت بدبلجة ما يقارب 4000 آلاف ساعة دو بلاج وأفلام وثائقية كثيرة منها لناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي، ومسلسلات كرتونية متل داغرون بول، توم المتكلم، والسلطانة قسم، وادي الذئاب، المؤسس عثمان، زهرة الثالوث، السلاجقة، التفاح الحرام، فتاة النافذة، ارسين لوبان، حب للإيجار زوجتي الثمينة، حياة قلبي، قطاع الطرق، حب منطق الانتقام جسدت أدوار البطولة من خلال تلك الاعمال. وحاليا يعرض على قناة ام بي سي مسلسل اتصل بمدير أعمالي جسدت من خلاله شخصية جلال انا جدا معجب بشخصيته وانسجمت معها وأحببتها وعندما يحب الفنان الشخصية يعطي أفضل ما عنده وكأنه الفنان التركي او الاسباني او الأمريكي ذاته.
اعتمد الفنان السوري عالميا لتكون الدبلجة بلهجته السورية المحببة. ترى هل الفنان السوري راض عن الأجر الذي يتقاضاه بماذا تعلق؟
الفنان السوري اعتمد هذا النوع من الفن وتشربه وأصبح بينه وبين الدبلجة علاقة خاصة واللهجة السورية هي اللهجة الوحيدة المفهومة بأغلب الدول العربية اعتمدت من قبل شركات الإنتاج العالمية والعربية والمنصات مثل منصة أنتفيلكس وغيرها من المنصات، وكانت اللهجة المحببة والمفهومة علما أن الفنانين السوريين غير راضين عن أجورهم، فالفنان السوري يتقاضى أجرا أقل من أي فنان عربي أو أجنبي يعمل بمجال الدو بلاج، كما أن تكلفة الدو بلاج تقتصر فعليا على أجور العاملين، وغالبا ما تمتلك شركات الدبلجة استوديوهات خاصا بها مما يجعل العمل بتكاليف أقل، بعد توفير تكاليف الإخراج، والإضاءة، والكتابة، والمونتاج، فضلا عن المكياج، والثياب، وأجرة مواقع التصوير، إضافة إلى قدرة إدارة الإنتاج على ضبط النفقات بشكل أكثر فاعلية، نتيجة حصر العمل في مكان واحد.
ومن معاناة الفنانين السوريين ظهور شركات صغيرة تكتفي بمرابح القليلة، وبالتالي يستبعد الفنان النجم بفنان غير معروف، وقد يكون من خارج الوسط الفني، وهذا يؤثر كذلك على الشركات الكبيرة وعلينا..
برأيك هل الدراما المدبلجة تعتبر جسرا ثقافيا أم عنصرا مدمرا للثقافة العربية؟
كانت هناك بعض الآراء للمثقفين المتابعين للحركة الفنية السورية بالنسبة للأعمال المدبلجة، حيث ظهر هذا الانقسام واضحا من خلال الاعلام المرئي والمقروء والمسموع عربيا ومواقع التواصل الاجتماعي، كذلك حدث انقسامات في النقاشات، فمنهم من رأى ان الأعمال الفنية المدبلجة تنقل لنا ثقافات فنية وعوالم أخرى تحقق نتائج إيجابية، أولها توفير فرصة أكبر من الترجمة للتركيز على الصورة والاطلاع على تجربة وأداء الممثلين الأجانب، وثانيها، الاستفادة من التقنيات في الإخراج، والديكور، والإضاءة لتطوير المنتج المحلي، كما يعتبرون أن هذه المسلسلات تشكل جسرا ثقافيا لمعرفة عادات وتقاليد شعوبا طالما سمعنا عنها وحلمنا بمعرفة اسرارها سواء الفنية منها او الثقافية، وكذلك تفسح المجال للاطلاع على معاناة تلك المجتمعات واختلافها عن ثقافتنا العربية التي نعتد بها، لكننا اليوم نشاهد أن هذه الآراء ساهمت في إيصال مختف أنواع الثقافات الفنية والمجتمعية من خلال هذا الفن الراقي الا وهو الدو بلاج..
وعن أدوار الشر التي تسند له من قبل المخرجين، قال: بالنسبة لأدوار الشر انا لا أقول انني ليس صاحب خيار؟ لكن هناك أدوار جميلة وهذا المتاح وما يقدم؟ أكيد أحب أن ألعب دور الشاب الرومانسي والجار الطيب؟ لكن مجرد ان أوقع العقد وأقرأ سيناريو الشخصية يجب ان تكون بصمتي واضحة ومقنعة، والممثل يجب ان ينحت ويعجن الشخصية على أساس هذا الدور، وصراحة أنا أحب كافة أعمالي..لكن أي دور أقوم به يجب ان تكون بصمتي فيه ظاهرة، وهذا مثبت من خلال كافة اعمالي وأسندت لي أدوار البطولة في أي شخصية أجسدها.
وختم سليم حديثه لـ«الأنباء» قائلا: يعاني العاملون في مهنة الدو بلاج بسورية من مشاكل عديدة، علما ان الوضع قد يختلف بالنسبة لنا في سورية فقد كانت لنا تجربة رائدة في مجال دبلجة الاعمال التركية والبرتغالية والإسبانية والفرنسية والمكسيكية والهندية والأميركية، وأصبحت الدبلجة مصدر رزق للكثير من الفنانين والمعدين والفنيين السوريين. كما ازدهرت صناعة الدبلجة خلال السنوات القليلة الماضية نظرا لتداعيات الحرب التي أرخت بظلالها على حياة السوريين ومنهم الفنانون، وشهدت اللهجة السورية شعبية بين الدول الناطقة بالعربية، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى شعبية المسلسلات السورية، حيث تم دبلجة هذه المسلسلات التلفزيونية باللهجة السورية، مما جعلها مستساغة لآذان المشاهدين في جميع دول الشرق الأوسط وخارجه، وأصبحت دبلجة المسلسلات باللهجة السورية محببة في العالم العربي، لأنها أثبتت نقلها المحتوى بشكل مفهوم للجمهور بشكل أوسع، مع الحفاظ أيضا على اللغة الأصلية والفروق الثقافية الدقيقة للإنتاج، وبحسب آراء المتابعين فإن دبلجة المسلسلات باللهجة السورية ساعدت على كسر الحواجز اللغوية بين مختلف البلدان الناطقة بالعربية وغير العربية. كما ساعدت في الترويج للهجة السورية كلغة إقليمية مميزة ومهمة، إلى جانب اللهجات الأخرى مثل اللهجات المصرية واللبنانية والخليجية، أيضا هناك العديد من الأسباب التي جعلت اللهجة السورية تحظى بشعبية كبيرة منها سهولة فهمها للمتحدثين باللهجات العربية الأخرى، بسبب نطقها الواضح.