وكأنه كان ينقص اللبنانيين مزيداً من السوداوية، حتى دق تقرير صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر، محذراً من كلفة ومخاطر تأجيل الإجراءات الإصلاحية.
ففي الأول من حزيران المنصرم، اختتم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة مع لبنان خلص في نهايتها الى ان “لبنان واجه أزمة مصرفية ونقدية سيادية غير مسبوقة لا تزال مستمرة لأكثر من ثلاث سنوات. ومنذ بداية الأزمة، شهد الاقتصاد انكماشا ناهز 40%، وفقدت الليرة اللبنانية 98% من قيمتها، وسجل التضخم معدلات غير مسبوقة، كما خسر المصرف المركزي ثلثي احتياطاته من النقد الأجنبي”. ودعا الى “ضرورة التنفيذ الحاسم لخطة إصلاح شاملة لحل الأزمة وتحقيق التعافي المستدام”، مشدداً على “أهمية الحد من مخاطر المالية العامة، واتخاذ إجراءات لتحسين الحوكمة ودعم استمرارية العمليات في المؤسسات العامة وإصلاح نظام التقاعد”.
كما أكد على “الحاجة إلى تنفيذ إصلاحات في قطاع الكهرباء وتحسين الأداء التشغيلي والاستدامة المالية لمؤسسة الكهرباء”. وأشار إلى أن “استعادة ثقة الرأي العام تستلزم اتخاذ خطوات لتعزيز الحوكمة، ووضع معايير وممارسات لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
الى ذلك، يشير المطلعون على الوضع المالي الراهن للبنان، الى ان التقرير لم يأتِ بأي جديد، بل وصّف الواقع كما هو مسلّطاً الضوء على الاسباب التي آلت الى تردي الوضع الاقتصادي، غامزاً من قناة قرار التخلف عن دفع “اليوروبوندز” الذي اتخذته الحكومة اللبنانية في آذار من العام ٢٠٢٠، معتبراً انه (اي القرار) لو لم يتخذ لكان جنّب البلاد العديد من المطبات.
ولا يغيب عن بنود التقرير، الوضع المتدهور للقطاع المصرفي بشكل عام ومصرف لبنان بشكل خاص، معتبراً ان ثلثي احتياط المصرف المركزي من العملات الاجنبية قد تبخر بسبب سياسة الدعم. ويعتبر ان عملية اعادة قروض الدولار بالليرة اللبنانية وتعدد اسعار الصرف كلها اسباب ساهمت في تعميق الازمة.
في سياق متصل، وفي معرض اجتراح الحلول الممكن تطبيقها للخروج من الازمة الحالية، اقترح خبراء صندوق النقد الاعتماد على القطاع السياحي كمحرّك رئيسي للاقتصاد.
ويخلص التقرير الى ان لا خلاص اقتصادي للبنان الا بتطبيق اصلاحات صندوق النقد او اذا صح التعبير الرضوخ لمطالبه، وكل رفض لما تقدم يعني الغرق اكثر في المستنقع الذي يلف البلاد.
في الخلاصة، يختصر المثل “راح من تحت الدلفة لتحت المزراب” الحال الذي ستؤول اليه اوضاع اللبنانيين في حال اضحى صندوق النقد الدولي وصياً على اقتصادهم. خاصة في ظل اعتبار القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة ثانوية، كما تغييب الخصخصة، والتي ان حصلت في بعض الادارات العامة، من شأنها تحسين نوعية وجودة الخدمات وزيادة الايرادات.