معركة الثروات المعدنية
2023-07-03 07:26:41
من مؤشرات التحولات الحاصلة على مستوى العالم، هو المحاولة الأميركية للفكاك من قبضة الصين في مجال المعادن الضرورية لثورة الطاقة البديلة أو النظيفة. عاموس هوكستين مبعوث الإدارة الأميركية الحالية في مجال الطاقة، وهو اسم تردد كثيراً في لبنان خلال حقبة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، باتت عمليات التعدين في افريقيا ضمن اهتماماته الكثيرة، كما بدا من حضوره مؤتمر "إندابا" السنوي في كايب تاون (جنوب افريقيا) لتشجيع الاستثمار بالتعدين في أفريقيا. لكن ذلك، وبحسب عدد 28 شباط (فبراير) الماضي لمجلة "ذي ايكونومست"، جزء من استراتيجية أميركية لاحتواء النفوذ الصيني في هذا المجال.
ذاك أن الصين تُنقح 68 بالمئة من النيكل في العالم، و40 بالمئة من النحاس و59 بالمئة من الليثيوم و73 بالمئة من الكوبالت (نقلاً عن تقرير لمعهد بروكنغز ذكرته المجلة). وهذا الواقع ناجم عن جهود صينية حثيثة خلال 15 عاماً في مجال لم تكن الدول الأخرى فاعلة فيه، وباتت الولايات المتحدة وحلفاؤها يُخططون للتخفيف من دور بكين وبناء قدرات تنقيح في دول "صديقة"، وفقاً للمصدر ذاته. اتساع نفوذ الشركات الصينية في مجال الكوبالت (مادة تُستخدم في صناعة البطاريات) درس ترغب واشنطن في تجنبه بهذا المجال. باتت الشركات الصينية شريكة في 15 منجماً للكوبالت من أصل 19 في دولة الكونغو التي تُنتج 70 بالمئة من هذه المادة في العالم. في افريقيا وحدها، ثلث هذه المعادن التي يرتفع الطلب عليها عالمياً.
واحتواء دور الصين في مجال المعادن المطلوبة في مرحلة خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ضمن الالتزامات الغربية بذلك. ذلك أن واشنطن ترى تهديداً لأمنها القومي في التموضع الصيني في مجال التعدين والتنقيح، وتخشى وفقاً لمسؤول أميركي تحدث للمجلة، من "أوبيك" صيني يُحدد أسعار هذه المعادن ويرفع كلفة الطاقة بالمرحلة المقبلة. نتيجة اتساع رقعة الطاقة النظيفة أو البديلة على مستوى العالم، يُتوقع خلال 20 عاماً فقط، ارتفاع الطلب على الليثيوم 40 ضعفاً وعلى الغرافايت (يُستخدم في صناعة الألواح الشمسية، ومتوافر في تركيا والبرازيل والصين وبنسب أقل في دول افريقية وآسيوية) 25 ضعفاً، وعلى النيكل والكوبالت 20 ضعفاً. هذه أرقام هائلة، وتُحول هذه المعادن الى نفط جديد سيزداد الطلب عليه بقدر التحول المتسارع باتجاه الاعتماد على الطاقة البديلة أو النظيفة. وكما في مجالي النفط والغاز، تتبلور استراتيجية أميركية ترتكز على مسألتين، الأولى ابعاد خصومها وتحديداً الصين عن صدارة هذا المجال. والثانية هي تنويع مصادر هذه المعادن للتخفيف من كلفة الانتقال في مجال الطاقة، وذلك يحصل عبر الاستثمار في التعدين، وشراكات في دول في افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية لضمان انتاج أكبر والحؤول دون صعود تكتل دول منتجة وقادرة على التحكم بالأسعار.
ولكن الصين هنا ليست لاعباً ثابتاً في مكانه، بل تُواصل التقدم بخطى ثابتة إما عبر الاستثمار في التعدين، أو من خلال توفير وتطوير تقنيات أقل كلفة للتكرير أو التنقيح، بما يجعلها لاعباً من الصعب تجاوزه بالمرحلة المقبلة. مجلة "فورين بوليسي" الأميركية نشرت مقالاً الأسبوع الماضي لكريستينا لو تتحدث فيه عن ضعف الموقف الأميركي حالياً بمجال المعادن نسبة للصين، وأشارت الى حاجة الاستراتيجية الأميركية لسنوات طويلة كي تُؤتي ثمارها في مواجهة بكين، هذا إن نجحت طبعاً.
نجاح واشنطن أو عدمه قد لا يعنينا كثيراً في المنطقة، لكن خروج معركة الثروات والنزاع عليها من الشرق الأوسط لمناطق غيرها، علامة على تحول متوقع ومتواصل في سلم الاهتمامات الدولية. هو مخاض عالم جديد قد لا تستحوذ فيه هذه المنطقة المثقلة بالمتاعب على عناوين رئيسية كما كان الحال خلال العقود الماضية.
وكالات