فيما ينشغل اللبنانيون بمتابعة أخبار جولات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان على المرجعيات الروحية والسياسية، لا يُتوقع أن تخرج جولته الأولى بأكثر من سماع المواقف التقليدية والثابتة للقوى السياسية، والتي كرستها عملياً في جلسة 14 حزيران وما بعدها. كلٌ يتمسك بقوته التمثيلية وبما يملكه من قدرة على التأثير في التوازنات، وفي الوقت نفسه يفتح الباب بحذَر أمام الحوار مع الطرف الآخر.
على أن الخلاصة الرئيسية لجولة لودريان في الرمال المتحركة اللبنانية، وعلى ما عُرف عنه من وضوح إلى حد الصرامة في التعاطي سابقاً مع المسؤولين اللبنانيين، هي أن أفكار الحلول التي ستخضع لتشريح على الطاولة الفرنسية، لن تخرج إلى الضوء إلا بالإستعانة بالحاضنة الأميركية والقوى الإقليمية المسهلة لهذا الدور، أو المتابعة لبعض المهام المساندة، كما أدوار قطر ومصر على سبيل المثال. هذا في الوقت الذي لدى السعودية ثوابتها وحدودها التي رسمتها سابقاً في التعاطي مع الأزمة اللبنانية، وفي طليعتها تأكيد التوقف عن كونها "كَرماً على درب" لتوزيع الأموال التي تعود القوى اللبنانية لتنهبَها لاحقاً في مزاريب الإدارة ونظام الزبائنية التقليدية.
وبعد أن افتتح جولته أمس بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، جال لودريان اليوم على السرايا الحكومية وبكركي ومعراب، وفي وقت كرر فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الوعود المعسولة التقليدية عن الإصلاحات والتعاون مع صندوق النقد الدولي، كان رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع يشدد على البعد الداخلي في إنتاج الرئيس، أما مصادر بكركي فشددت على التمسك بالحوار تحت قبة البرلمان من ضمن الدستور. كما من المقرر أن يلتقي لودريان رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية على غداء في قصر الصنوبر، ويجتمع مساء مع المرشح زياد بارود، في الوقت الذي سيبلغه نواب "تغييريون" بتمسكهم بجهاد أزعور وبضرورة متابعة جلسات الإنتخاب.
وفي البياضة حيث يلتقي ظهر اليوم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، من المتوقع أن يسمع لودريان الثوابت نفسها التي لم يسمعها هو فحسب بل العديد من الموفدين الأجانب. ذلك أن "التيار" وقيادته يتمسكان بخارطة طريق واضحة لرئاسة الجمهورية، وبالشراكة والميثاقية أساساً لها، والأهم بإجراءات عملية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة مالياً واقتصادياً. وهذا ما هو أساساً موضع تشاور مستمر منذ "التقاطع" على جهاد أزعور، بين "التيار" من جهة و"القوات" والنواب "التغييريين" من جهة ثانية، على ما أكد اليوم النائب جورج عطالله لtayyar.org في تصريح سابق.